بتفسير النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا يقال دين الإسلام ولا يقال دين الإيمان وهذا أيضا فرق آخر ومعنى الآية ومن يبتغ دينا غير دين محمد فلن يقبل منه * وعن الثالث بأن عدم تغايرهما بمعنى عدم الانفكاك لا يوجب اتحادهما معنى وأيضا المنافقون كلهم مسلمون بالتفسير المذكور غير مؤمنين فقد وجد أحدهما بدون الآخر ثم أنهم أولوا الآية بأن المراد بأسلمنا استسلمنا أي أنقذنا والخبر بأن سؤال جبريل عليه السلام ما كان عن الإسلام بل عن شرائع الإسلام وأسندوا هذا إلى بعض الرواة * وأجيب بأن الاستسلام ههنا ينبغي أن يكون بالمعنى المذكور في تعريف الإسلام وإلا لما تمكن المنافقون من دعوى الإيمان وحينئذ لا فائدة في هذا التأويل والمذكور في الصحيحين وغيرهما ما ذكرنا ولا تعارضه هذه الرواية الغريبة المخالفة للظاهر * قلت في إثبات وحدة الإيمان والإسلام صعوبة وعسر لأنا لو نظرنا إلى قوله تعالى * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) * لزم اتحدهما إذ لو كان الإيمان غير الإسلام لم يقبل قط فتعين أن يكون عينه لأن الإيمان هو الدين والدين هو الإسلام لقوله تعالى * (إن الدين عند الله الإسلام) * فينتج أن الإيمان هو الإسلام ولو نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان والإسلام الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره والإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا لزم تغايرهما بتصريح تفسيرهما ولأن قوله تعالى * (إن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات) * يدل على المغايرة بينهما لأن العطف يقتضي تغاير المعطوف والمعطوف عليه * النوع الخامس في أن الإيمان هل هو مخلوق أم لا * فذهب جماعة إلى أنه مخلوق فمنهم الحارث المحاسبي وجعفر بن حرب وعبد الله بن كلاب وعبد العزيز المكي وذكر عن أحمد بن حنبل وجماعة من أصحاب الحديث أنهم قالوا الإيمان غير مخلوق وأحسن ما قيل فيه ما روي عن الفقيه أبي الليث السمرقندي أنه قال أن الإيمان إقرار وهداية فالإقرار صنع العبد وهو مخلوق والهداية صنع الرب وهو غير مخلوق * النوع السادس في قران المشيئة بالإيمان * فقالت طائفة لا بد من قرانها وحكى هذا عن أكثر المتكلمين وقالت طائفة بجوازها وقال بعض الشافعية هو المختار وقول أهل التحقيق وقالت طائفة بجواز الأمرين قال بعض الشافعية هو حسن وقالت الحنفية لا يصح ذلك فمن قارن إيمانه بالمشيئة لم يصح إيمانه ورووا ما ذكر في كتاب أبي سعيد محمد بن علي بن مهدي النقاش عن أنس رضي الله تعالى عنه يرفعه من زعم أن الإيمان يزيد وينقص فقد خرج من أمر الله ومن قال أنا مؤمن إن شاء الله فليس له في الإسلام نصيب وفيه أيضا من حديث أبي هريرة يرفعه الإيمان ثابت ليس به زيادة ولا نقص نقصانه وزيادته كفر ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه يرفعه من زعم أن الإيمان يزيد وينقص فزيادته نقص ونقصه كفر وفي كل ذلك نظر (النوع السابع) اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على ما قاله النووي أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ونطق مع ذلك بالشهادتين قال فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القبلة أصلا بل يخلد في النار إلا أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية أو لغير ذلك فإنه حينئذ يكون مؤمنا بالاعتقاد من غير لفظ وإذا نطق بهما لم يشترط معهما أن يقول وأنا برئ من كل دين خالف دين الإسلام على الأصح إلا أن يكون من كفار يعتقدون اختصاص الرسالة بالعرب ولا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ ومن أصحابنا من اشترط التبرىء مطلقا وهو غلط لقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومنهم من استحبه مطلقا كالاعتراف بالبعث أما إذا اقتصر الكافر على قوله لا إله إلا الله ولم يقول محمد رسول الله فالمشهور من مذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يكون مسلما ومن أصحابنا من قال يصير مسلما ويطالب بالشهادة الأخرى فإن أبى جعل مرتدا وحجة الجمهور الرواية السالفة وهي مقدمة على هذه لأنها زيادة من ثقة وليس فيها نفي للشهادة الثانية وإنما أن فيها تنبيها على الأخرى وأعرب القاضي حسين فشرط في ارتفاع السيف عنه أن يقر بأحكامها مع النطق بها فأما مجرد قولها فلا وهو عجيب منه وقال النووي اشترط القاضي أبو الطيب من أصحابنا الترتيب بين كلمتي الشهادة في صحة الإسلام فيقدم الإقرار بالله على الإقرار برسوله ولم أر من وافقه ولا من خالفه وذكر الحليمي
(١١٠)