تصرفاته راجع إلى معنى الجمع والصم ومنه الكتيبة وهي الجيش لاجتماع الفرسان فيها وكتبت القربة إذ خرزتها وكتبت البغلة إذا جمعت بين شفرتيها بحلقة أو سير وكتبت الناقة تكتيبا إذا صررتها * ثم أنه يوجد في كثير من النسخ على أول كل كتاب من الكتب بسم الله الرحمن الرحيم وذلك عملا بقوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم أو أقطع فهذا وإن كانت البسملة مغنية عنه لكنه كررها لزيادة الاعتناء على التمسك بالسنة وللتبرك بابتداء اسم الله تعالى في أول كل أمر * ((باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس)) أي هذا باب في ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس فيكون ارتفاع باب على أنه خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب على خذ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض النسخ باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس والأولى أصح لأنه ذكر أولا كتاب الإيمان ولا يناسب بعده إلا الأبواب التي تدل على الأنواع وذكر باب الإيمان بعد ذكر كتاب الإيمان لا طائل تحته على ما لا يخفى وليس في رواية الأصيلي ذكر لفظ باب وقد أخرج قوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس الحديث هنا مسندا وفي غيره أيضا على ما نبينه عن قريب إن شاء الله تعالى وقال بعضهم واقتصاره على طرفه من تسمية الشيء باسم بعضه قلت لا تسمية هنا ولا إطلاق اسم بعض الشيء على الشيء وإنما البخاري لما أراد أن يبوب على هذا الحديث بابا ذكر أولا بعضه لأجل التبويب واكتفى عن ذكر كله عند الباب بذكره إياه مسندا فيما بعد فافهم والكلام في الإيمان على أنواع * الأول في معناه اللغوي قال الزمخشري رحمه الله الإيمان أفعال من الأمن يقال آمنته وآمنته غيري ثم يقال آمنه إذا صدقه وحقيقته آمنه التكذيب والمخالفة وأما تعديته بالباء فلتضمينه معنى أقر واعترف وأما ما حكى أبو زيد عن العرب ما آمنت أن أجد صحابة أي ما وثقت فحقيقته صرت ذا أمن به أي ذا سكون وطمأنينة وقال بعض شراح كلامه وحقيقة قولهم آمنت صرت ذا أمن وسكون ثم ينقل إلى الوثوق ثم إلى التصديق ولا خفاء أن اللفظ مجاز بالنسبة إلى هذين المعنيين لأن من آمنه التكذيب فقد صدقه ومن كان ذا أمن فهو في وثوق وطمأنينة فهو انتقال من الملزوم إلى اللازم الثاني في معناه باعتبار عرف الشرع فقد اختلف أهل القبلة في مسمى الإيمان في عرف الشرع على أربع فرق * فرقة قالوا الإيمان فعل القلب فقط وهؤلاء قد اختلفوا على قولين أحدهما هو مذهب المحققين وإليه ذهب الأشعري وأكثر الأئمة كالقاضي عبد الجبار والأستاذ أبي إسحق الإسفرايني والحسين بن الفضل وغيرهم أنه مجرد التصديق بالقلب أي تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما علم مجيئه به بالضرورة تصديقا جازما مطلقا أي سواء كان لدليل أو لا فقولهم مجرد التصديق إشارة إلى أنه لا يعتبر فيه كونه مقرونا بعمل الجوارح والتقييد بالضرورة لإخراج ما لا يعلم بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء به كالاجتهاديات كالتصديق بأن الله تعالى عالم بالعلم أو عالم بذاته والتصديق بكونه مرئيا أو غير مرئي فإن هذين التصديقين وأمثالهما غير داخلة في مسمى الإيمان فلهذا لا يكفر منكر الاجتهاديات بالإجماع والتقييد بالجازم لإخراج التصديق الظني فإنه غير كاف في حصول الإيمان والتقييد بالإطلاق لدفع وهم خروج اعتقاد المقلد فإن إيمانه صحيح عند الأكثرين وهو الصحيح: فإن قيل اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم عند سؤال جبريل عليه السلام عن الإيمان في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذكر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فلم زيد عليه الإيمان بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لاشتمال الإيمان بالكتب عليه لأن من جملة الكتب القرآن وهو يدل على وجوب أخذ كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم باعتقاد حقيقته والعمل به لقوله تعالى * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * والقول الثاني أن الإيمان معرفة الله تعالى وحده بالقلب والإقرار باللسان ليس بركن فيه ولا شرط حتى أن من عرف الله بقلبه ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقربه فهو مؤمن كامل الإيمان وهو قول جهم بن صفوان وأما معرفة الكتب والرسل واليوم الآخر فقد زعم أنها غير داخلة في حد الإيمان وهذا بعيد من الصواب لمخالفة ظاهر الحديث والصواب ما حكاه
(١٠٢)