كما جمعوا ليلا على ليالي، وقد جاء في الشعر:
* أهال مثل: فرخ وأفراخ * وأنشد الأخفش:
* وبلدة ما الأنس من أهالها * ترى بها العوهق من وائالها * ومنزل أهل به أهله، وقال ابن السكيت مكان مأهول فيه أهله، ومكان آهل له أهل، وقال ابن عباد: يقولون: هو أهلة، لكل خير بالهاء، والفرق بين الأهل والآل أن: الآل يستعمل في الأشراف: وفي (العباب): آل الرجل: أهله وعياله، وآله: أيضا أتباعه. قال تعالى: * (كدأب آل فرعون) * (آل عمران: 11، الأنفال: 52 و 54) وقال ابن عرفة: يعني من آل إليه بدين أو مذهب أو نسب، وآل النبي صلى الله عليه وسلم: عشيرته. وقال أنس رضي الله عنه: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آل محمد؟ قال: كل تقي). قلت: هو واوي، فلذلك ذكره أهل اللغة في باب أول. قوله (يحتسبها) من الاحتساب وقد فسرناه عن قريب. قوله (صدقة) وهي: ما تصدقت به على الفقراء.
بيان الإعراب: قوله: (إذا) كلمة فيها معنى الشرط و: (انفق الرجل) جملة من الفعل والفاعل فعل الشرط، قوله: (على أهله) يتعلق بانفق. قوله (يحتسبها) جملة فعلية مضارعية وقعت حالا من: الرجل، والمضارع إذا وقع حالا وكان مثبتا لا يجوز فيه الواو على ما عرف. قوله (فهو له صدقة) جواب الشرط، فلذلك دخلت فيها الفاء. قوله (فهو) مبتدأ. والجملة، أعني قوله (له صدقة)، خبره فقوله: صدقة، مبتدأ و: له، مقدما خبره، والضمير أعني: هو، يرجع إلى الإنفاق الذي يدل عليه قوله (أنفق)، كما في قوله تعالى * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * (المائدة: 8) أي: العدل أقرب إلى التقوى.
بيان المعاني: في قوله: (إذا أنفق)، حذف المعمول ليفيد التعميم، والمعنى: إذا أنفق أي نفقة كانت صغيرة أو كبيرة، وفيه ذكر: إذا، دون إن، لأن أصل: إن، عدم الجزم بوقوع الشرط، واصل: إذا، الجزم به، وغلب لفظ الماضي مع: إذا، على المستقبل في الاستعمال، فإن استعمال: إذا أكرمتني أكرمتك، مثلا، أكثر من استعمال: إذا تكرمني أكرمك، لكون الماضي أقرب إلى القطع بالوقوع من المستقبل، نظرا إلى اللفظ لا إلى المعنى، فإنه يدل على الاستقبال لوقوعه في سياق الشرط، وفيه التنبيه بالحال لإفادة زيادة تخصيص له، فكلما ازداد الكلام تخصيصا ازداد الحكم بعدا، كما أنه كلما ازداد عموما ازداد قربا، ومتى كان احتمال الحكم أبعد كانت الفائدة في إيراده أقوى. قوله (يحتسبها) أي: يريد بها وجه الله، والنفقة المطلقة في الأحاديث ترد إلى هذا الحديث وأمثاله المقيد بالنية، لحديث امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وامرأة من الأنصار وسؤالهما: اتجزىء الصدقة عنهما على أزواجهما وأيتامهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة). وقول أم سلمة رضي الله عنهما: (هل لي أجر في بني أبي سلمة أنفق عليهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم لك أجر ما أنفقت). وقال القرطبي: في قوله: يحتسبها، أفاد بمنطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة واجبة أو مباحة، وأفاد بمفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر، لكن تبرأ ذمته من الواجبة لأنها معقولة المعنى.
بيان البيان: فيه إطلاق النفقة على الصدقة مجازا، إذ لو كانت الصدقة حقيقية كانت تحرم على الرجل أن ينفق على زوجته الهاشمية، ووجود الإجماع على جواز الإنفاق على الزوجات الهاشميات وغيرها قام قرينة صارفة عن إرادة الحقيقة، والعلاقة بين الموضوع له وبين المعنى المجازي ترتب الثواب عليهما وتشابههما فيه، فإن قلت: كيف يتشابهان وهذا الإنفاق واجب، والصدقة في العرف لا تطلق إلا على غير الواجب، اللهم إلا أن تقيد بالفرض ونحوه؟ قلت: التشبيه في أصل الثواب لا في كميته ولا كيفيته. فإن قلت: شرط البيانيون في التشبيه أن يكون المشبه به أقوى، وههنا بالعكس، لأن الواجب أقوى في تحصيل الثواب من النفل. قلت: هذا هو التشابه لا التشبيه، والتشبيه لا يشترط فيه ذلك، وتحقيق هذا الكلام أنه إذا أريد مجرد الجمع بين الشيئين في أمر، وأنهما متساويان في جهة التشبيه: كعمامتين متساويتين في اللون، فالأحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه، ليكون كل واحد من الطرفين مشبها ومشبها به احترازا من ترجيح أحد المتساويين من جهة التشبيه على الآخر، لأن في التشبيه ترجيحا، وفي التشابه تساويا. ويجوز التشبيه أيضا في موضع التشابه، لكن إذا وقع التشبيه في باب التشابه صح فيه العكس، بخلافه فيما عداه، وكان حكم المشبه به على خلاف ما ذكر من أن حقه أن يكون أعرف بجهة التشبيه من المشبه، وأقوى حالا، كتشبيه غرة الفرس بالصبح وعكسه، فيقال: بدا الصبح كغرة الفرس، وبدت غرة الفرس كالصبح، متى أريد بوجه الشبه ظهور منير في سواد أكثر منه مظلم،