عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٣٢٠
للمقابلة، وإما بمعنى: على، ولهذا في بعض النسخ، عليها، بدل: بها، والباء تجيء بمعنى: على كما في قوله تعالى: * (من إن تأمنه بقنطار) * (آل عمران: 75) قوله (حتى)، قال الكرماني: هي العاطفة لا الجارة، وما بعدها منصوب المحل، وبعضهم تبعه على هذا. قلت: حتى، هذه ابتدائية، أعني؛ حرف تبتدأه بعده الجمل، أي: تستأنف فتدخل على الجملة الإسمية والجملة الفعلية، وذلك لأن: حتى، العاطفة لها شروط منها: أنها لا تعطف الجمل، لأن شرط معطوفها أن يكون جزأ مما قبلها، أو جزء منه، ولا يتأتي ذلك إلا في المفردات، على أن العطف بحتى قليل، وأهل الكوفة ينكرونه البتة، وما بعد حتى ههنا جملة، لأن قوله (ما)، موصولة مبتدأ، وخبره محذوف، وكذا العائد إلى الموصول، تقديره؛ حتى الذي تجعل في فم امرأتك فأنت مأجور فيه، ووجه آخر يمنع من كون: حتى، عاطفة، هو: أن المعطوف غير المعطوف عليه، فإذا جعلت: حتى، عاطفة لا يستفاد أن: ما يجعل في فم امرأته مأجور فيه. فإن قلت: قال الكرماني: يستفاد ذلك من حيث إن قيد المعطوف عليه قيد في المعطوف. قلت: القيد في المعطوف عليه هو الابتغاء لوجه الله تعالى والآجر ليس بقيد فيه، لأنه أصل الكلام، والمقصود في المعطوف حصول الأجر بالانفاق المقيد بالابتغاء. فافهم.
بيان المعاني:. فيه تمثيل باللقمة مبالغة في حصول الأجر، لأن الأجر إذا ثبت في لقمة زوجة غير مضطرة، ثبت فيمن أطعم المحتاج كسرة، أو رغيفا بالطريق الأولى، وقال النووي: هذا بيان لقاعدة مهمة، وهي: أن ما أريد به وجه الله تعالى ثبت فيه الأجر، وإن حصل لفاعله في ضمنه حظ نفس من لذة أو غيرها، فلهذا مثل صلى الله عليه وسلم بوضع اللقمة في فم الزوجة، ومعلوم أنه غالبا يكون بحظ النفس والشهوة واستمالة قلبها، فإذا كان الذي هو من حظوظ النفس بالمحل المذكور من ثبوت الأجر فيه، وكونه طاعة وعملا أخرويا إذا أريد به وجه الله تعالى، فكيف الظن بغيره مما يراد به وجه الله تعالى وهو مباعد للحظوظ النفسانية؟ قوله (تبتغي بها وجه الله)، أي: ذاته، عز وجل. المعنى: أنه لا يطلب غير الله تعالى. وقال الكرماني: الوجه والجهة بمعنى، يقال: هذا وجه الرائي، أي: هو الرائي نفسه. قلت: هذا كلام الجوهري، فإن أراد بذكره أن الوجه ههنا بمعنى الجهة فلا وجه له، وإن أراد أنه من قبيل هذا وجه الرائي فلا وجه له أيضا، لأنه يقتضي أن تكون لفظة: وجه، زائدة. وحمل الكلام على الفائدة أولى. وقال الكرماني هنا أيضا، فإن قلت: مفهومه أن الآتي بالواجب إذا كان مرائيا فيه لا يؤجر عليه. قلت: هو حق، نعم يسقط عنه العقاب لكن لا يحصل له الثواب. قلت: حكمه بسقوط العقاب مطلقا غير صحيح، بل الصحيح التفصيل فيه، وهو أن العقاب الذي يترتب على ترك الواجب يسقط لأنه أتى بعين الواجب، ولكنه كان مأمورا أن يأتي بما عليه بالإخلاص وترك الرياء، فينبغي أن يعاقب على ترك الإخلاص. لأنه مأمور به، وتارك المأمور به يعاقب. قوله (في فم امرأتك). وفي رواية الكشميهني: (في في امرأتك)، وهو رواية الأكثرين، وقال القاضي عياض: حذف الميم أصوب، وبالميم لغة قليلة. قلت: لأن أصل فم: فوه على وزن فعل، بدليل قولهم: أفواه، وهو جمع ما كان على: فعل ساكن العين معتلا كقولهم: ثوب واثواب، وحوض وأحواض، فإذا أفردت عوضت من واوها، ميم، لتثبت، ولا تعوض في حال الإضافة إلا شاذا، وإعرابه في الميم مع فتح الفاء في الأحوال الثلاث، تقول: هذا فم، ورأيت فما، وانتفعت بفم. ومنهم من يكسر الفاء على كل حال، ومنهم من يرفع على كل حال، ومنهم من يعربه من مكانين. فإن قلت: لم خص المرأة بالذكر؟ قلت: لأن عود منفعتها إلى المنفق، فإنها تؤتر في حسن بدنها ولباسها، والزوجة من أحظ حظوظه الدنيوية وملاذه، والغالب من الناس النفقة على الزوجة لحصول شهوته وقضاء وطره، بخلاف الأبوين، فإنها ربما تخرج بكلفة ومشقة، فأخبر صلى الله عليه وسلم، أنه إذا قصد باللقمة التي يضعها في فم الزوجة وجه الله تعالى، وجعل له الأجر مع الداعية، فمع غير الداعية وتكلف المشقة أولى.
42 ((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وقوله تعالى * (إذا نصحوا لله ورسوله) *)) الكلام فيه على وجوه. الأول: إن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا باب قول النبي عليه الصلاة والسلام، وقوله: (الدين) مبتدأ و: (النصيحة) خبره، وهذا التركيب
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»