عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٣١٥
على شاكلته) * (الإسراء: 84) وقوله: لا عطف، ليس بسديد لأنه يجوز أن يكون للعطف على محذوف، تقديره: يدخل فيه الإيمان. الخ، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (الأعمال بالنية) وقال تعالى: * (قل كل يعمل على شاكلته) * (الإسراء: 84)، وتفسير بعضهم بقوله: أي إن الله تعالى، يشعر بأن الواو ههنا للمصاحبة، وقد تبع الكرماني بأنها للحال، وبينهما تناف، على أن الواو بمعنى: مع، لا تخلو إما أن تكون من باب المفعول معه، أو هي الواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول كقوله.
* ولبس عباءة وتقر عيني.
* والثاني: شرطه أن يتقدم الواو نفي أو طلب، ويسمي الكوفيون هذه: واو الصرف، وليس النصب بها خلافا لهم، ومثاله: * (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) * (آل عمران: 142) وقول الشاعر:
* لا تنه عن خلق وتأتي مثله * والواو هنا ليست من القبيلين المذكورين، ويجوز أن تكون الواو ههنا بمعنى: لام التعليل، على ما نقل عن المازري، أنها تجيء بمعنى لام التعليل، فالمعنى على هذا، فدخل فيه الإيمان وأخواته لقوله تعالى: * (قل كل يعمل على شاكلته) * (الإسراء: 84) قال الليث: الشاكلة من الأمور ما وافق فاعله، والمعنى أن كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل أخلاقه، فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإعراض عند النعمة واليأس عند الشدة، والمؤمن يعمل ما يشبه طريقته من الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، ويدل عليه قوله تعالى: * (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * (الإسراء: 84) وقال الزجاج: على شاكلته: على طريقته ومذهبه، ونقل ذلك عن مجاهد أيضا، ومن هذا أخذ الزمخشري، وقال: أي على مذهبه وطريقته التي تشاكل كل حاله في الهدى والضلالة، من قولهم: طريق ذو شواكل، وهي الطرق التي تتشعب منه، والدليل عليه قوله * (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * (الإسراء: 84) أي أسد مذهبا، وطريقة وقوله على نيته تفسير لقوله: على شاكلته، وحذف منه حرف التفسير، وهذا التفسير روي عن الحسن البصري ومعاوية بن قرة المزني وقتادة فيما أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم. وفي (العباب) وقوله تعالى: * (قل كل يعمل على شاكلته) * (الإسراء: 84) أي: على ناحيته وطريقته. وقال قتادة: أي على جانبه وعلى ما ينوي. وقال ابن عرفة: أي على خليقته ومذهبه وطريقته. ثم قال في آخر الباب: والتركيب يدل معظمه على المماثلة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن جهاد ونية.
هو قطعة من حديث لابن عباس رضي الله عنهما أوله: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)، أخرجه ههنا معلقا، وأخرجه مسندا في الحج والجهاد والجزية، أما في الحج فعن عثمان بن أبي شيبة، وفيه، وفي الجزية عن علي بن عبد الله كلاهما عن جرير، وأما في الجهاد فعن آدم عن شيبان، وعن علي بن عبد الله، وعمرو بن علي كلاهما عن يحيى بن سعيد عن سفيان، وأخرجه مسلم في الجهاد عن يحيى بن يحيى، وفيه وفي الحج عن إسحاق بن إبراهيم كلاهما عن جرير، وفيهما أيضا عن محمد بن رافع عن يحيى بن آدم، وفي نسخة عن محمد بن رافع وإسحاق عن يحيى بن آدم عن مفضل بن مهلهل، وفي الجهاد أيضا عن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن وكيع عن سفيان، وعن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، وفي نسخة عن شيبان بدل إسرائيل، خمستهم عن منصور عنه به، وأخرجه أبو داود في الجهاد والحج عن عثمان به مقطعا، وأخرجه الترمذي في السير عن أحمد بن عبدة الضبي عن زياد بن عبد الله البكائي عن منصور به، وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي فيه، وفي البيعة عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن سعيد به، وفي الحج عن محمد بن قدامة عن جرير، وعن محمد بن رافع به مختصرا، والمعنى: أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ولكن حصلوه في الجهاد ونية صالحة، وفيه الحث على نية الخير مطلقا وإنه يثاب على النية. قوله: (جهاد) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: ولكن طلب الخير جهاد ونية.
ونفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة.
هذا من معنى حديث أبي مسعود الذي يذكره عن قريب. قوله (ونفقة الرجل) كلام إضافي مبتدأ وخبره قوله (صدقة)، وقوله (يحتسبها) حال من الرجل أي: حال كونه مريدا بها وجه الله تعالى، وقد فسرنا معنى الاحتساب مستوفى عن قريب. وقال الكرماني: ذكر هذا تقوية لما ذكره من قبل. قلت: لما عقد الباب على ثلاث تراجم ذكر لكل ترجمة ما يطابقها من الكلام بعد قوله، فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام. فقوله: وقال تعالى: * (قل كل يعمل على شاكلته) * (الإسراء: 84) لقوله (إن الأعمال بالنية). وقوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكن جهاد ونية) لقوله (ولكل امرئ ما نوى)،
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»