ليس بجيد لأنه عند غيرهم أشهر منه عندهم. الثالث إنما تركه لأنه لم يكن لهم سبيل إليه من أجل كفار مضر وهذا أيضا ليس بجيد لأنه لا يلزم من عدم الاستطاعة ترك الأخبار به ليعمل به عند الإمكان على أن الدعوى أنهم كانوا إلا سبيل لهم إلى الحج باطلة لأن الحج يقه في الأشهر الحرم وقد ذكروا أنهم كانوا يأمنون فيها لكن يمكن أن يقال إنما أخبرهم ببعض الأوامر لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون به الجنة فاقتصر في المناهى عن الانتباذ في الأوعية لكثرة تعاطيهم لها. الرابع وهو المتعمد عليه ما أجاب به القاضي عياض من أن السبب في كونه لم يذكر الجح لأنه لم يكن فرض لأن قدومهم كان في سنة ثمان قبل فتح مكة والحج فرض في سنة تسع فإن قلت الأصح أن الحج فرض سنة ست وقدومهم في سنة ثمان أو عام الفتح كما نقل عنه وقد ذكرناه قلت اعتماد القاضي على أنه فرض في سنة تسع فإن قلت أخرج البيهقي في السنن الكبير من طريق أبي قلابة عن أبي زيد الهروي عن قرة في هذا الحديث وفيه ذكر الحج ولفظه ' وتحجوا البيت الحرام ' ولم يتعرض لعدد قلت هذه رواية شاذة وقد أخرجه البخاري ومسلم ومن استخرج عليهما والنسائي وابن خزيمة من طريق قرة ولم يذكر أحد منهم الحج. ومنها ما قيل لم عدل عن لفظ المصدر الصريح في قوله ' وأن تعطوا من المغنم ' إلى ما في معنى المصدر وهي أن مع الفعل أجيب بأنه للإشعار بمعنى التجدد الذي للفعل لأن سائر الأركان كانت ثابتة قبل ذلك بخلاف إعطاء الخمس فإن فرضيته كانت متجددة * ومنها ما قيل لم خصصت الأوعية المذكورة بالنهى أجيب بأنه يسرع إليه الاسكار فيها فربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه * ومنها ما قيل ما الحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير في قوله بأربع وعن أربع أجيب لأجل تشويق النفس إلى التفصيل لتسكن إليه ولتحصيل حفظها للسامع حتى إذا نسي شيئا من تفاصيل ما أجمل طلبته نفسه بالعدد فإذا لم يستوف العدد الذي حفظه علم أنه قد فاته بعض ما سمع فافهم والله أعلم بالصواب 41 ((باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرىء ما نوى)) الكلام فيه على وجوه. الأول: التقدير: هذا باب بيان ما جاء، وارتفاع الباب على أنه خبر مبتدأ محذوف، وهو مضاف إلى كلمة: ما، التي هي موصولة، وأن، مفتوحة في محل الرفع على أنها فاعل جاء، والمعنى: ما ورد في الحديث (إن الأعمال بالنية). أخرجه البخاري ههنا بهذا اللفظ على ما يأتي الآن، وكذلك أخرجه بهذا اللفظ في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا في أول الكتاب أنه أخرج هذا الحديث في سبعة مواضع عن سبعة شيوخ. وقوله: (ولكل امرئ ما نوى) من بعض هذا الحديث وقوله: (والحسبة) ليس من لفظ الحديث أصلا، لا من هذا الحديث ولا من غيره، وإنما أخذه من لفظة: يحتسبها، التي في حديث أبي مسعود، رضي الله عنه، الذي ذكره في هذا الباب، فإن قلت: والحسبة، عطف على قوله: بالنية، وداخل في حكمه، وقوله: ما جاء يشمل كليهما، وكل منهما يؤذن بأنه من لفظ الحديث وليس كذلك. قلت: لا نسلم. أما المعطوف فلا يلزم أن يكون مشاركا للمعطوف عليه في جميع الأحكام، وأما شمول قوله: ما جاء كلا اللفظين، فإنه أعم أن يكون باللفظ المروي بعينه، أو بلفظ يدل عليه مأخوذ منه، وقوله: الحسبة، اسم من قوله: يحتسبها، الذي ورد في حديث أبي مسعود، رضي الله عنه، فحينئذ دخلت هذه اللفظة تحت قوله: ما جاء. فإن قلت: سلمنا ذلك، ولكن قوله: (ولكل امرئ ما نوى) من تتمة قوله: (الأعمال بالنية)، وقوله: (والحسبة) ليس منه ولا من غيره بهذا اللفظ، فكان ينبغي أن يقول: باب ما جاء أن الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى والحسبة. قلت: نعم كان هذا مقتضى الظاهر، ولكن لما كان لفظ: الحسبة، من الاحتساب، وهو: الإخلاص، كان ذكره عقيب النية أمس من ذكره عقيب قوله: (ولكل امرئ ما نوى)، لأن النية إنما تعتبر إذا كانت بالإخلاص. قال الله تعالى: * (مخلصين له الدين) * وجواب آخر، وهو: أنه عقد هذا الباب على ثلاث تراجم: الأولى: هي أن الأعمال بالنية، والثانية: هي الحسبة، والثالثة: هي قول: (ولكل امرئ ما نوى). ولهذا أخرج في هذا الباب ثلاثة أحاديث، لكل ترجمة حديث، فحديث عمر، رضي الله عنه، لقوله: (الأعمال بالنية) وحديث أبي مسعود، رضي الله تعالى عنه، لقوله: (والحسبة) وحديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه لقوله: (ولكل امرئ ما نوى). فلو أخر لفظ: الحسبة، إلى آخر الكلام، وذكره عقيب قوله:
(٣١١)