اى تابع روحا عثمان بن الهيثم في الرواية عن عوف الأعرابي وعثمان، هذا أيضا من شيوخ البخاري يروي عنه في مواضع بلا واسطة، وفي بعض المواضع عن محمد غير منسوب عنه، وهو محمد بن يحيى الذهلي ثم البخاري، رضي الله عنه، إن كان سمع هذا الحديث من عثمان هذا فهو له أعلى بدرجة. لأنه من روايته رباعي، ومن رواية المنجوفي خماسي، فإن قلت: فلم ذكر رواية عثمان؟ قلت: لان رواية المنجوفي موصولة وهي أشد إتقانا من رواية عثمان. فان قلت: إذا كان الأمر كذلك، فما الحاجة إلى ذكر متابعة عثمان؟ قلت: لأجل التنبيه بروايته على أن الاعتماد في هذا السند على محمد بن سيرين لأن عوفا ربما كان ذكره، وربما كان حذفه مرة، فأثبت الحسن. ومتابعة عثمان هذه وصلها أبو نعيم في (المستخرج) قال: حدثنا أبو إسحاق بن حمزة، ثنا أبو طالب بن أبي عوانة، ثنا سليمان بن سيف، ثنا عثمان بن الهيثم فذكر الحديث، ولفظه موافق لرواية روح بن عبادة إلا في قوله: وكان معها. قال بدلها: فلزمها. وفي قوله: ويفرغ من دفنها، فإنه قال بدلها: ويدفن، وقال في آخره: قيراط بدل قوله: فإنه يرجع بقيراط، والباقي سواء. وقال الكرماني: فان قلت: إذا قال البخاري عن فلان نجزم بأنه سمعه منه عند امكان السماع، فإذا قال: تابعه، لم نجزم بأنه سمعه منه. قلت: قياس المتابعة على العنعنة يقتضي ذلك، لكن صرحوا في العنعنة ولم يصرحوا فيها. قوله: (نحوه) أي: نحو ما تقدم، وهو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: (من اتبع جنازة) إلى آخره، ثم عثمان هذا هو أبو عمرو عثمان بن الهيثم بن جهم بن عيسى بن حسان بن المنذر البصري، المؤذن بجامعها. روى عن عوف الأعرابي وابن جريج وغيرهما، وروى عنه البخاري، وروى هو والنسائي عن رجل عنه، توفي لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة عشرين ومائتين.
36 ((باب خوف ألمؤمن من أن يحبط عمله لا يشعر)) الكلام فيه على أنواع: الأول: إن قوله: باب، مرفوع مضاف إلى ما بعده، تقديره: هذا باب في بيان خوف المؤمن من أن يحبط عمله، وكلمة: ان، مصدرية تقديره: من حبط عمله، وليس في بعض النسخ كلمة: من، وهي وإن لم تكن موجودة لكنها مقدرة، إذ المعنى عليها. قوله: (يحبط) على صيغة المعلوم من: حبط عمله يحبط حبطا وحبوطا، من باب: علم يعلم. وقال أبو زيد: حبط بالفتح وقرئ: * (فقد حبط عمله) * (المائدة: 5) بفتح الباء، وهو: البطلان. قال الكرماني: فان قلت: القول بإحباط المعاصي للطاعات من قواعد الاعتزال، فما وجه قول البخاري هذاك؟ قلت: هذا الإحباط ليس بذاك، لأن المراد به الإحباط بالكفر، أو بعدم الإخلاص ونحوه. وقال النووي: المراد بالحبط نقصان الإيمان، وإبطال بعض العبادات لا الكفر، فإن الانسان لا يكفر إلا بما يعتقده، أو يفعل عالما بأنه يوجب الكفر. قلت: فيه نظر، لأن الجمهور على أن الإنسان يكفر بكلمة الكفر، وبالفعل الموجب للكفر، وإن لم يعلم أنه كفر. قوله: (يحبط عمله) المراد، ثواب عمله، فالمضاف فيه محذوف. قوله: (وهو لا يشعر) جملة اسمية وقعت حالا، من: شعر يشعر من باب: نصر ينصر، وفي (العباب) شعرت بالشيء، بالفتح، أشعر به، بالضم، شعرا وشعرة وشعرى، بالكسر فيهن، وشعرة بالفتح، وشعورا ومشعورا ومشعورة: علمت به، وفطنت له، ومنه قولهم: ليت شعري. الثاني: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول هو أن حصول الثواب بالقيراطين أو بقيراط الذي هو مثل جبل أحد، إنما يحصل إذا كان عمله احتسابا خالصا لله تعالى، وفي هذا الباب ما يشير إلى أنه قد يعرض للعامل ما يحبط عمله، فيحرم بسببه الثواب الموعود وهو لا يشعر، وفي نفس الأمر ذكر هذا الباب إستطرادي، لأجل التنبيه على ما ذكرنا، وإلا كان المناسب أن يذكر عقيب الباب السابق باب: أداء الخمس من الايمان، لأن الأبواب المعقودة ههنا في بيان شعب الايمان. الثالث: ذكر النووي أن مراد البخاري بهذا الباب الرد على المرجئة في قولهم: إن الله لا يعذب على شيء من المعاصي، ممن قال: لا إله إلا الله، ولا يحبط شيء من أعماله بشيء من الذنوب، وإن إيمان المطيع والعاصي سواء، فذكر في صدر الباب أقوال أئمة التابعين، وما نقلوه عن الصحابة، رضي الله عنهم، وهو كالمشير إلى أنه لا خلاف بينهم فيه، وأنهم مع اجتهادهم المعروف خافوا أن لا ينجوا من عذاب الله تعالى، وقال القاضي عياض: المرجئة أضداد الخوارج، والمعتزلة. الخوارج تكفر بالذنوب، والمعتزلة يفسقون بها، وكلهم يوجب الخلود في النار، والمرجئة تقول: لا تضر الذنوب مع الإيمان، وغلاتهم تقول: يكفي التصديق بالقلب وحده