شهد لا إله الا الله وإني رسول الله كان مؤمنا كإيمان جبريل عليه السلام، قلت: ذكره أبو سعيد النقاش في (الموضوعات). وقال، ابن بطال: لما طالت أعمارهم حتى رأوا ما لم يقدروا على إنكاره خشيوا على أنفسهم أن يكونوا في حيز من نافق أو داهن، ويقال عن عائشة، رضي الله عنها: إنها سألت النبي، عليه السلام، عن قوله تعالى: * (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) * (المؤمنون: 60) فقال: هم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويفرقون ان لا يتقبل منهم، وقال بعض السلف في قوله تعالى: * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * (الزمر: 47) أعمال كانوا يحتسبونها حسنات بدت سيئات، وقال الكرماني: ويحتمل أن يكون قوله: وما منهم إشارة إلى مسألة زائدة استفادها من أحوالهم أيضا، وهي: أنهم كانوا قائلين بزيادة الإيمان ونقصانه. قلت: لا يفهم ذلك من حالهم، وإنما الذي يفهم من حالهم أنهم كانوا خائفين سوء الخاتمة لعدم العصمة، ويؤيد ذلك ما روي عن عائشة، وبعض السلف.
ويذكر عن الحسن ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق الحسن هو: البصري، رحمه الله، أي: ما خاف الله تعالى إلا مؤمن، ولا أمن الله تعالى إلا منافق، وكل واحد من: خاف وأمن، يتعدى بنفسه. قال تعالى: * (انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم) * (آل عمران: 175) وقال الجوهري: أمنته على كذا وائتمنته بمعنى، وقال تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * (الرحمن: 46) وقال: * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * (الأعراف: 99) وقال الكرماني: ما خافه، أي: ما خاف من الله تعالى، فحذف الجار، وأوصل الفعل إليه. وكذا في: أمنه، إذ معناه: أمن منه، وأمنه، بفتح الهمزة وكسر الميم. قلت: إذا كان الفعل متعديا بنفسه فلا يحتاج إلى تقدير حرف يوصل به الفعل إلا في موضع يحتاج فيه إلى تضمين معنى فعل بمعنى فعل آخر، وههنا ليس كذلك، وقال بعضهم، عقب كلام الكرماني بعد نقله هذا الكلام: وإن كان صحيحا، لكنه خلاف مراد المصنف ومن نقل عنه؟ قلت: وأثر الحسن هذا أخرجه الفريابي عن قتيبة، ثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد: (سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو: ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو منافق). قال: وحدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد، حدثنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب عن الحسن: (والله ما أصبح ولا أمسى مؤمن إلا وهو يخاف النفاق على نفسه). وحدثنا عبد الأعلى بن حماد، وحدثنا حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد: (أن الحسن كان يقول: إن القوم لما رأوا هذا النفاق يقول الإنسان: لم يكن لهم هم غير النفاق). وحدثنا هشام بن عمار، حدثنا أسد بن موسى عن أبي الأشهب عن الحسن: (لما ذكر أن النفاق يغول الايمان لم يكن شيء أخوف عندهم منه). وحدثنا هشام، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا محمد بن سليمان قال: (سأل أبان عن الحسن. فقال: نخاف النفاق. قال: وما يؤمنني، وقد خافه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه). وحدثنا شيبان قال: حدثنا ابن الأشهب عن طريف قال: (قلت للحسن، رضي الله عنه: إن ناسا يزعمون أن لا نفاق، أو لا يخافون، شك أبو الأشهب. فقال: والله لأن أكون أعلم اني بريء من النفاق أحب إلي من طلاع الأرض ذهبا). وقال أحمد بن حنبل في كتاب الايمان: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا هشام، سمعت الحسن يقول: (والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق، وما أمنه إلا منافق). فإن قلت: هذه الآثار الثلاثة صحيحة عند البخاري فلم ذكر الأولين بلفظ: قال، التي هي صيغة الجزم بالصحة، وذكر الثالث بلفظ: يذكر، على صيغة المجهول التي هي صيغة التمريض؟ قلت: لما نقل الأثرين الأولين بمثل ما نقل عن إبراهيم التيمي وابن أبي مليكة، من غير تغيير، ذكرهما بصيغة الجزم بالصحة، ونقل أثر الحسن بالمعنى على وجه الاختصار، فلذلك ذكره بصيغة التمريض، وصيغة التمريض لا تختص عنده بضعف الإسناد وحده، بل إذا وقع التغيير من حيث النقل بالمعنى، أو من حيث الاختصار، يذكره بصيغة التمريض، وهذا هو التحقيق في مثل هذا الموضع، وليس مثل ما ذكره الكرماني بقوله: قلت: ليشعر بأن قولهما ثابت عنده صحيح الإسناد، لان: قال، هو صيغة الجزم، وصريح الحكم بأنه صدر منه، ومثله يسمى تعليقا بصيغة التصحيح، بخلاف: يذكر، فإنه لا جزم فيه، فيعلم أن فيه ضعفا، ومثله تعليق بصيغة التمريض.
وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى * (ولم يصروا على ما فعلوا