لما فيه من تعظيمه المخلوق، وهذا هو الراجح عند العلماء. وقال بعضهم: فيه حذف مضاف تقديره: ورب أبيه، فاضمر ذلك فيه. وقال البيهقي: لا يضمر بل يذهب فيه، وسمعت بعض مشايخنا يجيب بجوابين آخرين: أحدهما: أنه يحتمل أن يكون الحديث: أفلح والله، فقصر الكاتب اللامين فصارت: وأبيه، والآخر: خصوصية ذلك بالشارع دون غيره، وهذه دعوى لا برهان عليها. وأغرب القرافي حيث قال: هذه اللفظة وهي: وأبيه، اختلف في صحتها، فإنها ليست في الموطأ، وإنما فيها أفلح إن صدق، وهذا عجيب، فالزيادة ثابتة لا شك في صحتها ولا مرية.
35 ((باب اتباع الجنائز من الإيمان)) أي: هذا باب، وهو منون، ويجوز ترك التنوين بإضافته إلى الجملة، اعني: قوله اتباع الجنائز من الإيمان، فقوله: (اتباع الجنائز) كلام إضافي مبتدأ. وقوله: (من الإيمان) خبره اي: اتباع الجنائز شعبة من شعب الإيمان، واتباع بتشديد التاء مصدر اتبع من باب الافتعال، والجنائز جمع جنازة، بالجيم المفتوحة والمكسورة، والكسر أفصح، وقيل بالفتح للميت، وبالكسر للنعش، وعليه الميت. وقيل: عكسه مشتقة من جنز، إذا ستر، وقال الجوهري: الجنازة، بالكسر، والعامة تقول بالفتح، والمعنى: للميت على السرير وإذا لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش، وفي (العباب) لابن الأعرابي: الجنازة، بالكسر: السرير؛ والجنازة، بالفتح: الميت. وقال ابن السكيت وابن قتيبة: يقال: الجنازة والجنازة، وقال الأصمعي: الجنازة، بالكسر: الميت نفسه، قال: والعوام يتوهمون أنه السرير. وقال النضر: الجنازة: السرير مع الرجل جميعا. وقال الخليل: الجنازة، بالكسر: خشب الشرجع، وقد جرى في أفواه الناس الجنازة بالفتح، والنحارير ينكرون ذلك. وقال غيره: إذا لم يكن عليه ميت فهو سرير أو نعش، وكل شيء ثقل على قوم واغتموا به فهو جنازة. وقال ابن عباد: الجنازة، بالكسر: المريض، وطعن فلان في جنازته، ورمى في جنازته إذا مات. وقال ابن دريد: جنزت الشيء أجنزه جنزا إذا سترته، وزعم قوم أن منه اشتقاق الجنازة. قال: ولا أدري ما صحته. وقال الليث: جنز الشيء إذا جمع، وقيل: منه اشتقاق الجنازة، لأن الثياب تجمع على الميت. وقال ابن دريد: إن النوار لما احتضرت أوصت أن يصلي عليها الحسن البصري، فأخبر الحسن بذلك فقال: إذا جنزتموها فآذنوني. قال: فاسترككنا هذه الكلمة من الحسن يومئذ، يعني: التجنيز. فان قلت: ما وجه المناسبة بين البابين؟ قلت: الانسان له حالتان: حالة الحياة وحالة الممات، فالمذكور في الباب الأول هو أركان الدين التي يحصل الثواب بإقامتها بمباشرة الأحياء بدون واسطة، والمذكور في هذا الباب هو الثواب الذي يحصل بمباشرة الأحياء بواسطة الأموات. وقال بعضهم: ختم المصنف التراجم التي وقعت له من شعب الإيمان بهذه الترجمة، لأن ذلك آخر أحوال الدنيا. قلت: هذا ليس بصحيح، لأنه بقي من الأبواب المترجمة بشعب الإيمان باب: أداء الخمس من الإيمان، وهو مذكور بعد أربعة أبواب من هذا الباب، وكيف يصح أن يقال ختم بهذه الترجمة التراجم المذكورة؟ فان قلت: ما وجه قوله في الباب السابق: باب الزكاة من الإسلام، وفي هذا الباب: باب اتباع الجنائز من الإيمان؟ قلت: راعى المناسبة والمطابقة فيهما، فإن المذكور في الباب الأول لفظ: الاسلام، حيث قال: (فإذا هو يسأل عن الإسلام) والمذكور في هذا الباب لفظ الإيمان، حيث قال: من اتبع جنازة مسلم إيمانا، فترجم الباب على لفظة الإيمان.
47 حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي المنجوفي قال حدثنا روح قال حدثنا عوف عن الحسن ومحمد عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فانه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط.
مطابقة الحديث للترجمة، من حيث أن مباشرة العمل الذي فيه الثواب قدر قيراطين، والقيراط مثل جبل أحد، شعبة من شعب الإيمان. ورأيت من ذكر من الشراح وجه مطابقة الحديث للترجمة، قد تعلق بقوله: إيمانا واحتسابا. وهذا لا وجه له.