عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٧٢
حذوه. وفي (العباب): تبعت القوم بالكسر اتبعهم تبعا وتباعة، بالفتح: إذا مشيت خلفهم، أو مروا بك فمضيت معهم، واتبعت القوم مثل تبعتهم إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، واتبعت أيضا غيري وقوله تعالى: * (فاتبعهم فرعون وجنوده) * (يونس: 90) وقال ابن عرفة: أي لحقهم أو كاد، ومنه قوله تعالى: * (فاتبعه الشيطان) * (الأعراف: 175) اي: لحقه، وقال الفراء: يقال تبعه واتبعه. لحقه والحقه، وكذلك قوله تعالى: * (فأتبعه شهاب ثاقب) * (الصافات: 10) وقوله تعالى: * (فاتبع سببا) * (الكهف: 85) و * (فاتبع سببا) * (الكهف: 85) بقطع الهمزة في قراءة أهل الشام والكوفة، كل ذلك: لحق. وقال الأزهري في قوله تعالى: * (فاتبعهم فرعون بجنوده) * (يونس: 90) أراد: اتبعهم إياهم. قوله: (ايمانا واحتسابا) قد مر الكلام عليهما في قيام ليلة القدر. قوله: (يرجع)، من الرجوع لا من الرجع. قوله: (قيراط)، أصله: قراط، بتشديد الراء بدليل جمعه على قراريط، فأبدل من إحدى الرائين ياء، كما في الدينار أصله: دنار، بدليل جمعه على دنانير، والقيراط في اللغة: نصف دانق. وقال الطيبي: قيل: القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشرة في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزأ من أربعة وعشرين جزأ، وقد يطلق ويراد به بعض الشيء، وفي (العباب): وزن القيراط يختلف باختلاف البلاد، فهو عند أهل مكة: ربع سدس الدينار، وعند أهل العراق: نصف عشر الدينار. انتهى. وعند الفقهاء: القيراط جزء من عشرين جزأ من الدينار، وكل قيراط ثلاث حبات، فيكون الدينار ستين حبة، وكل حبة أربع أرزات، فيكون مائتين وأربعين أرزة. ويقال: القيراط طسوجتان، والطسوجة حبتان، والحبة شعيرتان، والشعيرة ذرتان، والذرة فتيلتان. وقد أراد الشارع من القيراط ههنا قدر جبل أحد، والمقصود أن القيراط: مقدار من الثواب معلوم عند الله تعالى وهذا الحديث يدل على عظم مقداره في هذا الموضوع، ولا يلزم من هذا أن يكون هذا هو القيراط المذكور فيمن اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط. بل يجوز أن يكون أقل منه أو أكثر. قلت: بل الظاهر أن القيراط في الأجر أعظم من القيراط المذكور في نقص الأجر، لأنه من قبيل المطلوب تركه. والأول من قبيل المطلوب فعله، وهو الصلاة على الجنازة وحضور دفنها، وقد رأينا عادة الشرع تعظيم الحسنات وتضعيفها دون السيئات، كرما منه تعالى ورحمة، ولطفا. والحاصل أن القيراط: اسم لمقدار من الثواب يقع على القليل والكثير، وبين في هذا الحديث أنه مثل أحد، وفي رواية للحاكم: القيراط أعظم من أحد. ثم قال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وفى رواية للحاكم من حديث أبي بن كعب مرفوعا: (والذي نفس محمد بيده لهو في الميزان أثقل من أحد). وفي اسناده: الحجاج بن أرطأة، وفيه مقال. وفي السنن الصحاح المأثورة من حديث أبي هريرة مرفوعا: (من أوذن بجنازة فأتى أهلها فعزاهم كتب الله له قيراطا، فان شيعها كتب الله له قيراطين، فإن صلى عليها كتب الله له ثلاثة قراريط، فإن شهد دفنها كتب الله له أربعة قراريط، القيراط مثل أحد). قوله: (مثل أحد) بضمتين: وهو الجبل الذي بجنب المدينة على نحو ميلين منها، وهو في شمال المدينة، وسمي بهذا الاسم لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هنالك. وفي الحديث من طريق أبي عيسى بن جبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحد يحبنا ونحبه، وهو على باب الجنة. قال: وعير يبغضنا ونبغضه، وهو على باب من أبواب النار). قال السهيلي: وفي أحد قبر هارون، عليه السلام، أخي موسى الكليم، وفيه قبض، وثمة واراه موسى، عليه السلام، وكانا قد مرا بأحد حاجين أو معتمرين.
بيان الإعراب: قوله: (ومحمد) بالجر، عطف على الحسن. قوله: (من اتبع) كلمة: من، موصولة تتضمن معنى الشرط، في محل الرفع على الابتداء، و: اتبع، جملة من الفعل والفاعل: (وجنازة مسلم) كلام إضافي مفعوله، والجملة صلة الموصول. قوله: (إيمانا واحتسابا) منصوبان على الحال بمعنى: مؤمنا ومحتسبا، وقد مر الكلام فيه في باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان. قوله: (وكان معه) أي: مع المسلم، هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: وكان معها، أي مع الجنازة، وهذه الجملة عطف على قوله: اتبع. قوله: (حتى يصلي عليها) على صيغة المعلوم، بكسر اللام، والضمير في: يصلي، يرجع إلى: من، وفي: عليها، إلى: الجنازة. ويروى بفتح اللام على صيغة المجهول، وقوله: عليها، مفعول ناب عن الفاعل. وكذلك روي (ويفرغ من دفنها) على الوجهين، و: حتى، هذه للغاية، وأن الناصبة بعدها مضمرة، وقوله: يصلي ويفرغ، منصوبان بها. قوله: (فإنه يرجع من الأجر) خبر المبتدأ، أعني قوله: من، وإنما دخلت الفاء لتضمنه معنى الشرط، كما ذكرنا. وكلمة: من، بيانية، فإن قلت: ما محل قوله: من الأجر؟ قلت: حال من قوله: (بقيراطين)، وفي الحقيقة هي صفة ولكنها لما قدمت صارت حالا. والباء في: بقيراطين، تتعلق بقوله: يرجع. قوله: (كل قيراط) كلام إضافي
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»