عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٦٩
شرائع الإسلام ولا أنقص منها شيئا، والدليل عليه ما أخرجه البخاري في كتاب الصيام قال: (والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئا).
بيان استنباط الاحكام: وهو على وجوه. الأول: ان الصلاة ركن من أركان الاسلام. الثاني: أنها خمس صلوات في اليوم والليلة. الثالث: ان الصوم أيضا ركن من أركان الاسلام، وهو في كل سنة شهر واحد. الرابع: أن الزكاة أيضا ركن من أركان الاسلام. الخامس: عدم وجوب قيام الليل، وهو إجماع في حق الأمة، وكذا في حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأصح. السادس: عدم وجوب العيدين. وقال الإصطخري، من أصحاب الشافعي: صلاة العيدين فرض كفاية. السابع: عدم وجوب صوم عاشوراء وغيره سوى رمضان، وهذا مجمع عليه الآن، واختلفوا أن صوم عاشوراء كان واجبا قبل رمضان أم لا؟ فعند الشافعي في الأظهر ما كان واجبا، وعند أبي حنيفة، رضي الله عنه، كان واجبا، وهو وجه للشافعي. الثامن: انه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابا وتم عليه الحول. التاسع: أن من يأتي بالخصال المذكورة ويواظب عليها صار مفلحا بلا شك. العاشر: أن السفر والارتحال من بلد إلى بلد لأجل تعلم علم الدين والسؤال عن الأكابر أمر مندوب. الحادي عشر: جواز الحلف بالله تعالى من غير استحلاف ولا ضرورة، لأن الرجل حلف هكذا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه. الثاني عشر: صحة الاكتفاء بالاعتقاد من غير نظر ولا استدلال، لكنه يحتمل ان ذلك صح عنه بالدليل. وإنما أشكلت عليه الأحكام. الثالث عشر: فيه الرد على المرجئة، إذ شرط في فلاحه أن لا ينقص من الأعمال والفرائض المذكورة. الرابع عشر: فيه جواز قول: رمضان، من غير ذكر: شهر. الخامس عشر: فيه استعمال الصدق في الخبر المستقبل، وقال ابن قتيبة: الكذب مخالفة الخبر في الماضي، والحلف في مخالفته في المستقبل، فيجب على هذا أن يكون الصدق في الخبر عن الماضي، والوفاء في المستقبل، وفي هذا الحديث ما يرد عليه مع قوله تعالى * (ذلك وعد غير مكذوب) * (هود: 65).
الأسئلة والأجوبة: منها ما قيل: كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر مع أنه لم يذكر المنهيات ولا جميع الواجبات؟ وأجيب: بأنه جاء في رواية البخاري، في آخر هذا الحديث، قال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام، فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا، فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام، وقوله: مما فرض الله، يزول الإشكال في الفرائض. وأما النوافل فقيل: يحتمل أن هذا كان قبل شرعها، ويحتمل أنه أراد أنه لا يصلي النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض، وأما المنهيات فإنها داخلة في شرائع الإسلام. وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل ورود النهي. قلت: فيه نظر، لأنه جزم بأن السائل هو ضمام بن ثعلبة وقد قيل إنه وفد سنة خمس، وقيل: بعد ذلك، وكان أكثر المنهيات واقعة قبل ذلك. ومنها ما قيل: إنه لم يذكر الحج في هذا الحديث. وأجيب: بأنه لم يفرض حينئذ أو لأن الرجل سأل عن حاله حيث قال: هل علي غيرها؟ فأجاب عليه السلام بما عرف من حاله، ولعله ممن لم يكن الحج واجبا عليه. وقيل: لم يأت في هذا الحديث بالحج كما لم يذكر في بعضها الصوم وفي بعضها الزكاة، وقد ذكر في بعضها صلة الرحم وفي بعضها أداء الخمس، فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصانا، وسبب ذلك تفاوت الرواة في الحفظ والضبط، فمنهم من اقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا اثبات، وذلك لا يمنع من ايراد الجميع في الصحيح، لما عرفت أن زيادة الثقة مقبولة، والقاعدة الأصولية فيها أن الحديث إذا رواه راويان، واشتملت إحدى الروايتين على زيادة، فإن لم تكن مغيرة لإعراب الباقي قبلت، وحمل ذلك على نسيان الراوي أو ذهوله أو اقتصاره بالمقصود منه في صورة الاستشهاد، وإن كانت مغيرة تعارضت الروايتان وتعين طلب الترجيح، فافهم. ومنها ما قيل: كيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف أن لا يفعل خيرا؟ وأجيب: بأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، وهذا جار على الأصل بأنه لا إثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح، وإن كان غيره أكثر فلاحا منه. ومنها ما قيل: كيف الجمع بين حلفه بقوله: وأبيه إن صدق، مع نهيه عن الحلف بالآباء؟ وأجيب: بأن ذلك كان قبل النهي، أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف، كما جرى على لسانهم: عقرى حلقي، وتربت يمينك، والنهي إنما ورد في القاصد بحقيقة الحلف
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»