عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٧٥
ولا يضر عدم غيره، ومنهم من يقول يكفي التصديق بالقلب والإقرار باللسان، وقال غيره: إن من المرجئة من وافق القدرية: كالصالحي والخالدي، ومنهم من قال بالإرجاء دون القدر، وهم خمس فرق كفر بعضهم بعضا، والمرجئة، بضم الميم وكسر الجيم وبهمزة، مشتق من الإرجاء، وهو التأخير. وقوله تعالى: * (أرجئه واخاه) * (الأعراف: 111) أي: أخره، والمرجىء من يؤخر العمل عن الإيمان والنية والقصد، وقيل: من الرجاء، لأنهم يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقيل: مأخوذ من الإرجاء بمعنى: تأخير حكم الكبيرة، فلا يقضى لها بحكم في الدنيا.
وقال إبراهيم التيمى ما عرضت قولي علي عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا.
الكلام فيه على وجوه. الأول: أن إبراهيم هو ابن زيد بن شريك التيمي، تيم الرباب، أبو أسماء الكوفي. قيل: قتله الحجاج بن يوسف، وقيل: مات في سجنه لما طلب الإمام إبراهيم النخعي، فوقع الرسول بإبراهيم التيمي، فأخذه وحبسه، فقيل له: ليس إياك أراد، فقال: أكره أن أدفع عن نفسي، وأكون سببا لحبس رجل مسلم بريء الساحة، فصبر في السجن حتى مات. قال يحيى: هو ثقة، مرجىء، ومن غرائبه ما روى عن الأعمش عن إبراهيم التيمي، قال: إني لأمكث ثلاثين يوما لا آكل، ومات سنة اثنتين وتسعين. روى له الجماعة، وتيم الرباب، بكسر الراء، قال الحازمي: تيم الرباب، وهو تيم بن عبد مناة بن ود بن طابخة، وقال معمر ابن المثنى: تيم الرباب ثور وعدي وعكل ومزينة بنو عبد مناة وضبة بن ود، قيل: سموا به لأنهم غمسوا أيديهم في رب وتحالفوا عليه، هذا قول ابن الكلبي، وقال غيره: سموا به لأنهم ترببوا، أي: تحالفوا على بني سعد بن زيد. قلت: الرب، بضم الراء وتشديد الباء الموحدة: الطلاء الخاثر. الثاني: أن قول إبراهيم هذا رواه أبو قاسم اللالكائي في سننه بسند جيد عن القاسم بن جعفر، أنبأنا محمد بن أحمد بن حماد، حدثنا العباس بن عبد الله، حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن أبي حيان عن إبراهيم به، ورواه البخاري في (تاريخه) عن أبي نعيم، وأحمد بن حنبل في (الزهد) كلاهما عن سفيان الثوري عن أبي حيان التيمي عن إبراهيم التيمي به. الثالث: مطابقة هذا للترجمة من حيث إنه كان يخاف أن يكون مكذبا في قوله: إنه مؤمن لتقصيره في العمل، فيحرم بذلك الثواب وهو لا يشعر. الرابع: في معناه قوله: مكذبا روي، بفتح الذال بمعنى: خشيت أن يكذبني من رأى عملي مخالفا لقولي، فيقول: لو كنت صادقا ما فعلت خلاف ما تقول، وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ الناس، وروي بكسر الذال، وهي رواية الأكثرين ومعناه: أنه لم يبلغ غاية العمل، وقد ذم الله تعالى من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في العمل فقال: * (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (الشعراء: 36) فخشي أن يكون مكذبا أي: مشابها للمكذبين.
وقالابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
الكلام فيه أيضا على وجوه. الأول: أن ابن أبي مليكة هو: عبد الله بن عبيد الله، بتكبير الابن وتصغير الأب، واسم أبي ملكية، بضم الميم: زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة القرشي التيمي المكي الأحول، كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا، اتفق على جلالته، سمع العبادلة الأربعة وعائشة وأختها أسماء وأم سلمة وأبا هريرة وعقبة بن الحارث والمسور بن مخرمة، وأدرك بالسن جماعة ولم يسمع منهم كعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهما، مات سنة سبع عشرة ومائة، روى له الجماعة. الثاني: أن قوله هذا أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه موصولا من غير بيان العدد، وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الإيمان له مطولا. الثالث: في معناه. فقوله: كلهم يخاف النفاق، أي: حصول النفاق في الخاتمة على نفسه، إذ الخوف إنما يكون عن أمر في الاستقبال، وما منهم من أحد يجزم بعدم عروض النفاق، كما هو جازم في إيمان جبريل، عليه السلام، بأنه لا يعرضه النفاق، هكذا فسره الكرماني، وتبعه بعضهم على هذا المعنى، وليس المعنى هكذا، وإنما المعنى: أنهم كلهم كانوا على حذر وخوف من أن يخالط إيمانهم النفاق، ومع هذا لم يكن منهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل، عليه السلام، لأن جبريل معصوم لا يطرأ عليه الخوف من النفاق، بخلاف هؤلاء، فإنهم غير معصومين. فإن قلت: روي عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، مرفوعا: من
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»