بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه أولا حدثنا إسماعيل، ثم حدثني مالك، لأن في الأول الشيخ قرأ له ولغيره، وفي الثاني: قرأ له وحده، ومنها: أن فيه التحديث والسماع والعنعنة. ومنها: أن رجاله كلهم مدنيون. ومنها: أن إسناده مسلسل بالأقارب، لأن إسماعيل يروي عن خاله عن عمه عن أبيه. فإن قلت: حكى الكلاباذي وغيره عن ابن سعد عن الواقدي أن مالك بن أبي عامر توفي سنة اثنتي عشرة ومائة، وأنه بلغ من العمر: سبعين أو اثنتين وسبعين، فعلى هذا يكون مولده بعد موت طلحة بسنتين. قلت: قال بعضهم: لعله صحف التسعين بالسبعين، وحكى المنذري عن ابن عبد البر أن وفاته سنة مائة أو نحوها، فيصح على هذا، ويستقيم. وقد ثبت سماع مالك منه ومن غيره كعثمان، رضي الله عنه، نبه عليه الثوري وغيره.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الشهادات عن إسماعيل بن أبي أويس، بالإسناد المذكور، وأخرجه أيضا في الصوم، وفي ترك الحيل عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل به، وأخرجه مسلم في الإيمان عن قتيبة عن مالك به، وعن قتيبة ويحيى بن أيوب كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به، وقال مسلم في حديث يحيى بن أيوب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح وأبيه إن صدق). وأخرجه أبو داود في الصلاة عن القعنبي عن مالك به، وعن أبي الربيع سليمان بن داود عن إسماعيل بن جعفر به، وأخرجه النسائي في الصلاة عن قتيبة عن مالك به، وفي الصوم عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر به، وفي الإيمان عن محمد بن سلمة عن عبد الرحمن بن قاسم عن مالك به.
بيان اللغات: قوله: (من أهل نجد) بفتح النون وسكون الجيم، قال الجوهري: نجد من بلاد العرب، وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد، وهو مذكر. قلت: النجد الناحية التي بين الحجاز والعراق، ويقال: ما بين العراق وبين وجرة وغمرة الطائف نجد، ويقال: هو ما بين جرش وسواد الكوفة، وحده من الغرب الحجاز، وفي (العباب): نجد من بلاد العرب، خلاف الغور، والغور هو تهامة، وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد، وهو في الأصل ما ارتفع من الأرض، والجمع: نجاد ونجود وانجد. قوله: (ثائر الرأس) أي: منتفش شعر الرأس ومنتشره، يقال: ثار الغبار أي: انتفش، وفتنة ثائرة أي: منتشرة. قلت: مادته واوية من: ثار الغبار يثور ثورا، وحاصله أن شعره متفرق منتشر من عدم الارتفاق والرفاهية. قوله: (دوى صوته)، بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء، كذا هو في عامة الروايات، وقال القاضي عياض: جاء عندنا في البخاري، بضم الدال. قال: والصواب الفتح، قال الخطابي: الدوي: صوت مرتفع متكرر لا يفهم، وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد، ويقال الدوي: بعد الصوت في الهواء وعلوه، ومعناه: صوت شديد لا يفهم منه شيء كدوي النحل. وقال الشيخ قطب الدين: هو شدة الصوت وبعده في الهواء، مأخوذ من دوي الرعد، ويقال: هو شدة صوت لا يفهم، فلما دنا فهم كلامه، فلهذا قال: فلما دنا فإذا هو يسأل. وقال الجوهري: دوي الريح حفيفها، وكذلك دوي النحل والطائر ويقال: دوى النحل تدوية، وذلك إذا سمعت لهديره دويا، والدوي أيضا السحاب ذو الرعد المرتجس. قوله: (ولا يفقه) من الفقه وهو الفهم، قال الله تعالى: * (يفقهوا قولي) * (طه: 28) أي يفهموا. قوله: (حتى دنا) من الدنو وهو التقرب. قوله: (إلا أن تطوع)، بتشديد الطاء والواو كليهما أصله: تتطوع بتائين فأدغمت إحدى التائين في الطاء، ويجوز تخفيف الطاء على الحذف، أعني: حذف إحدى التائين، وأي التائين هي المحذوفة فيه خلاف، فقال بعضهم: حذف التاء الزائدة أولى لزيادتها. وقال الأكثرون: الأصلية أولى بالحذف، لأن الزائدة إنما دخلت لإظهار معنى فلا تحذف، لئلا يزول الغرض الذي لأجله دخلت، ويجوز إظهار التائين أيضا من غير إدغام، وهذه ثلاثة أوجه في المضارع. وقال النووي: المشهور التشديد، ومعناه: إلا أن تفعله بطواعيتك. وفي ماضيه لغتان: تطوع وأطوع، وكلاهما يفعل، إلا أن إدغام التاء في الطاء أوجب جلب ألف الوصل ليتمكن من النطق بالساكن. قوله: (فادبر) من الإدبار وهو التولي. قوله: (أفلح) من الإفلاح وهو الفوز والبقاء، وقيل: هو الظفر وإدراك البغية، وقيل: إنه عبارة عن أربعة أشياء: بقاء بلا فناء وغناء بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل. قالوا: ولا كلمة في اللغة أجمع للخيرات منه، والعرب تقول لكل من أصاب خيرا: مفلح، وقال ابن دريد: أفلح الرجل وأنجح: أدرك مطلوبه.
بيان الإعراب: قوله: (من أهل نجد) في مجل الرفع لأنه صفة لقوله: رجل. قوله: (ثائر الرأس) يجوز فيه الرفع والنصب، أما الرفع فعلى أنه صفة لرجل، وأما النصب فعلى أنه حال، وههنا سؤالان أحدهما: ذكره الكرماني وأجاب عنه، وهو أن شرط الحال أن تكون نكرة، وهو مضاف فيكون معرفة فأجاب: بأن إضافته لفظية فلا تفيد إلا تخفيفا. والآخر: ذكرته في