عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٦٧
شرح سنن أبي داود، وهو أنه إذا وقع الحال عن النكرة وجب تقديم الحال على ذي الحال، فكيف يكون هذا حالا؟ قلت: يجوز وقوع صاحبها نكرة من غير تأخير إذا اتصف بشيء كما في المبتدأ نحو قوله تعالى: * (فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا) * (الدخان: 4) أو أضيف، نحو: جاء غلام رجل قائما، أو وقع بعد نفي كقوله تعالى: * (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) * (الحجر: 4) وهنا اتصفت النكرة بقوله: من أهل نجد، فافهم. قوله: (يسمع) بضم الياء على صيغة المجهول، (ودوي صوته) كلام إضافي مفعول ناب عن الفاعل، وفي رواية: نسمع، بالنون المصدرة للجماعة، ودوي صوته بالنصب على أنه مفعول، وكذلك: ولا نفقه، بالنون. وقوله: (ما يقول) في محل النصب على أنه مفعول، وهذه الرواية هي المشهورة، وعليها الاعتماد. وكلمة: ما، موصولة، و: يقول، جملة صلتها، والعائد محذوف تقديره: ما يقوله. قوله: (حتى) هنا للغاية بمعنى: إلى أن دنا. قوله: (فإذا) هي التي للمفاجأة. وقوله: (هو) مبتدأ، و: (يسأل عن الإسلام) خبره. وقد علم أن إذا التي للمفاجأة تختص بالجمل الاسمية، ولا تحتاج إلى الجواب، ولا تقع في الابتداء. ومعناه الحال لا الاستقبال، وهي حرف عند الأخفش واختاره ابن مالك، وظرف مكان، عند المبرد واختاره ابن عصفور؛ وظرف زمان عند الزجاج واختاره الزمخشري. قوله: (خمس صلوات) يجوز فيه الرفع والنصب والجر. أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي خمس صلوات. وأما النصب فعلى تقدير: خذ خمس صلوات أو هاك... أو نحوهما. وأما الجر فعلى أنه بدل من الإسلام، وفيه حذف أيضا تقديره إقامة خمس صلوات. عين الصلوات الخمس ليست عين الاسلام، بل إقامتها من شرائع الإسلام. قوله: (فقال) أي: الرجل المذكور، و: (هل) للاستفهام، و (غيرها) بالرفع مبتدأ و (علي) مقدما خبره. قوله: (فقال: لا)، أي: فقال الرسول، عليه السلام، ليس عليك شيء غيرها. قوله: (إلا أن تطوع) استثناء من قوله: لا، وسيجئ الكلام فيه إن شاء الله تعالى. قوله: (وصيام شهر رمضان) كلام إضافي مرفوع عطف على قوله: خمس صلوات. قوله: (قال وذكر له رسول الله عليه الصلاة والسلام) أي: قال الراوي، وهو طلحة بن عبيد الله. قوله: (وهو يقول) جملة حالية. قوله: (أفلح) أي الرجل. قوله: (إن صدق) أي في كلامه وجواب أن محذوف فافهم.
بيان المعاني: قوله: (جاء رجل)، هو ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، قاله القاضي مستدلا بأن البخاري سماه في حديث الليث، يريد ما أخرجه في باب القراءة، والعرض على المحدث عن شريك عن أنس قال: (بينما نحن جلوس في المسجد، إذ دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد) وفيه (ثم قال: أيكم محمد؟) وذكر الحديث، وقال فيه: (وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر)، فجعل حديث طلحة هذا وحديث أنس هذا له، وتبعه ابن بطال وغيره وفيه نظر لتباين ألفاظهما، كما نبه عليه القرطبي، وأيضا فإن ابن إسحاق فمن بعده: كابن سعد وابن عبد البر لم يذكروا لضمام غير حديث أنس. قوله: (ثائر الرأس) أي: ثائر شعر الرأس، وأطلق اسم الرأس على الشعر، إما لأن الشعر منه ينبت، كما يطلق اسم السماء على المطر لأنه من السماء ينزل، وإما لأنه جعل نفس الرأس ذا ثوران على طريق المبالغة، أو يكون من باب حذف المضاف بقرينة عقلية. قوله: (عن الإسلام) أي: عن أركان الاسلام، ولو كان السؤال عن نفس الإسلام كان الجواب غير هذا، لأن الجواب ينبغي أن يكون مطابقا للسؤال، فلما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (خمس صلوات) عرف أن سؤاله كان عن أركان الإسلام وشرائعه، فأجاب مطابقا لسؤاله. وقال الكرماني: ويمكن أنه سأله عن حقيقة الإسلام، وقد ذكر له الشهادة فلم يسمعها طلحة منه لبعد موضعه، أو لم ينقله لشهرته. قلت: هذا بعيد، إذ لو كان السؤال عن حقيقة الإسلام لما كان الجواب مطابقا للسؤال، وفيه نسبة الراوي الصحابي إلى التقصير في إبلاغ كلام الرسول، وقد ندب النبي، عليه السلام، إلى ضبط كلامه وحفظه وإبلاغه مثل ما سمعه منه في حديثه المشهور. قوله: (إلا أن تطوع) هذا الاستثناء يجوز أن يكون منقطعا، بمعنى: لكن، ويجوز أن يكون متصلا واختارت الشافعية الانقطاع، والمعنى: لكن استحب لك أن تطوع، واختارت الحنفية الاتصال فإنه هو
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»