مالك بن النجار بركت على باب المسجد، وهو يومئذ مربد، فلما بركت ورسول الله عليه السلام، عليها لم ينزل، وثبت فسارت غير بعيد، ورسول الله، عليه السلام، واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت خلفها فرجعت إلى منزلها أول مرة، فبركت ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتمل أبو أيوب خالد بن زيد، رضي الله عنه، رحله فوضعه في بيته، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل عنده حتى بنى مسجده ومساكنه، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب، ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عند أبي أيوب سبعة أشهر، وبعث وهو في بيت أبي أيوب زيدا وأبا رافع، من مواليه، فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه، وسودة زوجته، رضي الله عنهن، قلت: فعلى هذا إنما نزل النبي صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم وهو أوسي من بني عمرو بن عوف ، وفي الثاني: على أبي أيوب خالد بن زيد، وليسا، ولا واحد منهما، من أخواله ولا أجداده، وإنما أخواله وأجداده في بني عدي بن النجار، وقد مر بهم، ونزل على بني مالك أخي عدي، فيجوز أن يكون ذكر ذلك تجوازا لعادة العرب في النسبة إلى الأخ، أو لقرب ما بين داريهما. وقال النووي: (أجداده أو أخواله) شك من الراوي، وهم أخواله وأجداده مجازا، لأن هاشما تزوج في الأنصار. قوله: ثم تحلحلت يقال: تحلحل الشيء عن مكانه أي: زال، وحلحلت الناقة، إذا قلت بها: حل، وهو بالتسكين، وهو زجر لها، وهو بالحاء المهملة. قوله: ورزمت، بتقديم الراء على الزاي المعجمة، يقال: رزمت الناقة ترزم وترزم رزوما ورزاما بالضم، قامت من الإعياء والهزل، ولم تتحرك، فهي رازم. قوله: جرانها، بكسر الجيم، وجران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منخره، والجمع: جرن، بضمتين.
قوله: (ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا) كذا وقع الشك في رواية زهير ههنا، وفي الصلاة أيضا عن أبي نعيم عنه، وكذا في الترمذي عنه، وفي رواية إسرائيل عند الترمذي أيضا ورواه أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء وغيره عن أبي نعيم فقال: ستة عشر، من غير شك. وكذا لمسلم من رواية أبي الأحوص، والنسائي من رواية أبي زكريا بن أبي زائدة وشريك، ولأبي عوانة أيضا من رواية عمار بن رزيق، بتقديم الراء المضمومة، كلهم عن أبي إسحاق، وكذا لأحمد بسند صحيح عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وللبزار والطبراني من حديث عمرو بن عوف: سبعة عشر، وكذا للطبراني عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وللبزار والطبراني من حديث عمرو بن عوف: سبعة عشر، وكذا للطبراني عن ابن عباس، رضي الله عنهما، ونص النووي على صحة: ستة عشر، لإخراج مسلم إياها بالجزم، فيتعين اعتمادها. وقال الداودي: إنه الصحيح قبل بدر بشهرين، وهو قول ابن عباس والحربي، لان بدرا كانت في رمضان في السنة الثانية، ونص القاضي على صحة: سبعة عشر، وهو قول ابن إسحاق وابن المسيب ومالك بن أنس. فان قلت: كيف الجمع بين الروايتين؟ قلت: وجه الجمع أن من جزم بستة عشر أخذ من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا، والغى الأيام الزائدة فيه، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معا، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف رجب في السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور. ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس، وجاءت فيه روايات أخرى، ففي (سنن أبي داود): ثمانية عشر شهرا، وكذا في (سنن ابن ماجة) من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق، وأبو بكر سئ الحفظ، وعند ابن جرير من طريقه في رواية: سبعة عشر، وفي رواية: ستة عشر، وخرجه بعضهم على قول محمد بن حبيب: إن التحويل كان في نصف شعبان، وهو الذي ذكره النووي في (الروضة) وأقره مع كونه رجح في شرحه رواية: ستة عشر شهرا، لكونها مجزوما بها عند مسلم، ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان، وقد جزم موسى بن عقبة بأن التحويل كان في جمادى الآخرة، وحكى المحب الطبري: ثلاثة عشر شهرا، وفي رواية أخرى: سنتين، وأغرب منهما: تسعة أشهر، وعشرة أشهر، وهما شاذان. وقال أبو حاتم بن حبان: صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام سواء، لأن قدومه، عليه السلام، من مكة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وحولت يوم الثلاثاء نصف شعبان، وفي تفسير ابن الخطيب عن أنس: أنها حولت بعد الهجرة بتسعة أشهر وهو غريب، وعلى هذا القول يكون التحويل في ذي القعدة إن عد شهر الهجرة، وهو ربيع الأول، أو ذي الحجة إن لم يعد، وهو أغرب. وفي ابن ماجة: إنها صرفت إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين، وقال إبراهيم بن إسحاق: حولت في رجب، وقيل: في جمادى، فحصلت في تعيين الشهر أقوال، والله تعالى اعلم.
قوله: (صلاة العصر) كذا هو ههنا: صلاة العصر، وجاء أيضا من رواية البراء، أخرجها البخاري في الصلاة، وفيه: فصلى مع النبي، صلى الله تعالى عليه