عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٣٤
الصغائر فقط، كما في حديث الوضوء: ما لم يؤت كبيرة ما اجتنبت الكبائر. وقال النووي: في التخصيص نظر، لكن أجمعوا على أن الكبائر لا تسقط إلا بالتوبة، أو بالحد. فإن قيل: قد ثبت في الصحيح هذا الحديث في قيام رمضان، والآخر في صيامه، والآخر في قيام ليلة القدر، والآخر في صوم عرفة: أنه كفارة سنتين، وفي عاشوراء أنه كفارة سنة، والآخر: رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، والآخر: إذا توضأ خرجت خطايا فيه إلى آخره، والآخر: مثل الصلوات الخمس كمثل نهر... إلى آخره، والآخر: من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه... ونحو ذلك، فكيف الجمع بينها؟ أجيب: إن المراد أن كل واحد من هذه الخصال صالحة لتكفير الصغائر، فإن صادفها كفرتها، وإن لم يصادفها فإن كان فاعلها سليما من الصغائر لكونه صغيرا غير مكلف، أو موفقا لم يعمل صغيرة، أو عملها وتاب، أو فعلها وعقبها بحسنة أذهبتها، كما قال تعالى: * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * (هود: 114) فهذا يكتب له بها حسنات، ويرفع له بها درجات. وقال بعض العلماء: ويرجى أن يخفف بعض الكبيرة أو الكبائر.
28 ((باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان)) أي: هذا باب، قوله: (صوم رمضان) كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره: قوله: (من الإيمان). قوله: (احتسابا) حال بمعنى: محتسبا، أو مفعول له، أو تمييز، وفيه نظر، وإنما لم يقل: إيمانا واحتسابا، إما لأنه لما كان حسبة لله تعالى خالصا له لا يكون إلا للإيمان، وإما لأنه اختصره بذكره، إذ العادة الاختصار في التراجم والعناوين؛ ووجه المناسبة بين البابين ظاهر.
38 حدثنا ابن سلام قال أخبرنا محمد بن فضيل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
(راجع الحديث رقم 35).
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة لا تخفى.
بيان رجاله: وهم خمسة: الأول: محمد بن سالم البيكندي، والصحيح تخفيف لامه، وقد مر ذكره. الثاني: محمد بن فضيل، بضم الفاء وفتح المعجمة، ابن غزوان بن جرير الضبي، مولاهم الكوفي، سمع السبيعي والأعمش وغيرهما من التابعين، وعنه الثوري وأحمد وخلق من الأعيان، قال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم، مات سنة تسع وخمسين ومائة. الثالث: يحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة. الرابع: أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه. الخامس: أبو هريرة.
وقد مر الكلام في ألفاظه عن قريب. ومعنى من صام رمضان أي: في رمضان، أي: شهر رمضان. فإن قيل: هل يكفي أقل ما ينطلق عليه اسم الصوم حتى لو صام يوما واحدا دخل الجنة؟ قلت: إنه لا يقال في العرف صام رمضان إلا إذا صام كله، والسياق ظاهر فيه. فإن قيل: المعذور كالمريض إذا ترك الصوم فيه، ولو لم يكن مريضا لكان صائما، وكان نيته الصوم لولا العذر هل يدخل تحت هذا الحكم؟. الجواب: نعم، كما أن المريض إذا صلى قاعدا لعذر له ثواب صلاة القائم. قاله العلماء. فإن قيل: كل من اللفظين وهما: إيمانا واحتسابا، يغني عن الآخر، إذ المؤمن لا يكون إلا محتسبا، والمحتسب لا يكون إلا مؤمنا، فهل لغير التأكيد فيه فائدة أم لا؟ الجواب: المصدق لشيء ربما لا يفعله مخلصا بل للرياء ونحوه، والمخلص في الفعل ربما لا يكون مصدقا بثوابه وبكونه طاعة مأمورا به سببا للمغفرة ونحوه، أو الفائدة هو التأكيد، ونعمت الفائدة.
29 ((باب الدين يسر)) الكلام فيه من وجوه. الأول: أن لفظة: باب، خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى الجملة، أعني: قوله: (الدين يسر) فإن قوله: الدين، مرفوع بالابتداء و: يسر، خبره. الثاني: وجه المناسبة بين البابين من حيث وجود معنى اليسر في صوم رمضان، وذلك أن صوم رمضان يجوز تأخيره عن وقته للمسافر والمريض، بخلاف الصلاة، ويجوز تركه بالكلية في حق الشيخ الفاني مع إعطاء الفدية، بخلاف الصلاة، وهذا عين اليسر، وأيضا فإنه شهر واحد في كل اثني عشر شهرا، والصلاة في كل يوم
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»