وسلم، رجل، ثم خرج بعد ما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس، فقال لهم فانحرفوا، فقيد الأولى بالعصر في الحديث الأول، وأطلق الثانية. وقيد في الحديث الثاني الثانية بالعصر، وأطلق الأولى. وجاء في البخاري في كتاب خبر الواحد تقييده الصلاتين بالعصر، فقال من رواية البراء أيضا: فوجه نحو الكعبة، وصلى معه رجل العصر، ثم خرج فمر على قوم من الأنصار فقال لهم: هو يشهد أنه صلى مع النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، العصر، وأنه قد وجه إلى الكعبة. قال: فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر، وكذا جاء في الترمذي أيضا: إن الصلاتين كانتا العصر، ولم يذكر مسلم ولا النسائي في حديث البراء هذا تعيين صلاة العصر ولا غيرهما، وجاء في البخاري والنسائي ومسلم أيضا، في كتاب الصلاة، من حديث مالك عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذا جاءهم آت... وفيه: فكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة. وكذلك أيضا جاء في مسلم من رواية ثابت عن انس كرواية ابن عمر أنها الصبح، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر: وطريق الجمع بين رواية العصر والصبح أن التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، مر على قوم من الأنصار في تلك الصلاة وهي العصر، فهذا من رواية البراء، وأما رواية ابن عمر وأنس رضي الله عنهما، أنها الصبح فهي صلاة أهل قباء ثاني يوم، وعلى هذا يقع الجمع بين الأحاديث، فالذي مر بهم ليسوا أهل قباء، بل أهل مسجد بالمدينة، ومر عليهم في صلاة العصر، وأما أهل قباء فأتاهم في صلاة الصبح، كما جاء مصرحا به في الروايات. وقال الشيخ قطب الدين: ومال بعض المتأخرين ممن أدركناهم إلى ترجيح رواية الصبح. قال: لأنها جاءت في رواية ابن عمر وأنس، وأهملت في بعض الروايات حديث البراء، وعينت بالعصر في بعض الطرق. قال: فتقدمت رواية الصبح لأنها من رواية صحابيين. قلت: الأول هو الصواب، وقد قال النووي: لأنه أمكن حمل الحديثين على الصحة فهو أولى من توهين رواية العدول المخرجة في الصحيح، وممن بينه كما روى أبو داود مرسلا عن بكير بن الأشج أنه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع أهلها آذان بلال، رضي الله عنه، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلون في مساجدهم، وأقربها مسجد بني عمرو بن مندول من بني النجار، ومسجد بني ساعدة، ومسجد بني عبيد، ومسجد بني سلمة، ومسجد بني زريق، ومسجد عفان، ومسجد سلم، ومسجد جهينة. وشك في تعيين التاسع.
قوله: (فخرج رجل) وهو: عباد بن نهيك، بفتح النون وكسر الهاء، بن أساف الخطمي، صلى إلى القبلتين مع النبي: عليه الصلاة والسلام، ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة يوم صرفت، قاله ابن عبد البر: وقال ابن بشكوال: هو عباد بن بشر الأشهلي، ذكره الفاكهي في أخبار مكة عن خويلد بنت أسلم، وكانت من المبايعات، وفيه قول ثالث: إنه عباد بن وهب، رضي الله عنه. قوله: (فمر على أهل مسجد) هؤلاء ليسوا أهل قباء، بل أهل مسجد بالمدينة، وهو مسجد بني سلمة، ويعرف بمسجد القبلتين، ومر عليهم المار في صلاة العصر. وأما أهل قباء فأتاهم الآتي في صلاة الصبح كما قررناه آنفا، وقال الكرماني: لفظ الكتاب يحتمل أن يكون المراد من: مسجد، هو مسجد قباء، ومن لفظ: هم راكعون، أن يكونوا في صلاة الصبح، اللهم إلا أن يقال: الفاء، التعقيبية لا تساعده. قلت: بالاحتمال لا يثبت الحكم، والتحقيق فيه ما ذكرناه الآن. قوله: (وهم راكعون)، يحتمل أن يراد به حقيقة الركوع، وأن يراد به الصلاة من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.
بيان استنباط الاحكام: وهو على وجوه. الأول: فيه دليل على صحة نسخ الأحكام، وهو مجمع عليه إلا طائفة لا يعبأ بهم. قلت: النسخ جائز في جميع أحكام الشرع عقلا، وواقع عند المسلمين أجمع شرعا خلافا لليهود، لعنهم الله، فعند بعضهم باطل نقلا، وهو ما جاء في التوراة: تمسكوا بالسبت ما دامت السماوات والأرض، فادعوا نقله تواترا، ويدعون النقل عن موسى، عليه السلام، أنه قال: لا نسخ لشريعته. وعند بعضهم: باطل عقلا، والدليل على جوازه ووقوعه المعقول والمنقول. اما النقل: فلا شك أن نكاح الأخوات كان مشروعا في شريعة آدم، عليه السلام، وبه حصل التناسل، وهذا لا ينكره أحد، وقد ورد في التوراة أنه أمر آدم، عليه السلام، بتزويج بناته من بنيه، ثم نسخ، وكذا: استرقاق الحر كان مباحا في عهد يوسف، عليه السلام، حتى نقل عنه أنه استرق جميع أهل مصر، عام القحط، بأن اشترى