عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٤٤
المطلق، أي: أعجبهم زمان كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، لأنه كان قبلتهم، فإعجابهم لموافقة قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتهم: قلت: إذ، ههنا ظرف بمعنى حين، والمعنى: أعجب اليهود حين كان يصلي، عليه السلام، قبل بيت المقدس، و: إذ، إنما تقع بدلا عن المفعول، كما في قوله تعالى: * (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) * (مريم: 16) وههنا المفعول هو الضمير المنصوب في قوله: أعجبهم، ولا يصح أن يكون بدلا منه، لفساد المعنى، والضمير المستتر في: أعجب، ضمير الفاعل. قوله: (قبل بيت المقدس) حال اي: متوجها إليه. فان قلت: ما الإضافة التي في بيت المقدس؟ قلت: إضافة الموصوف إلى صفته: كصلاة الأولى، ومسجد الجامع، والمشهور فيه الإضافة، وجاء أيضا على الصفة لبيت المقدس، وقال أبو علي: تقديره: بيت مكان الطهارة. قوله: (وأهل الكتاب) بالرفع عطف على قوله: (اليهود)، فهو من قبيل عطف العام على الخاص لأن أهل الكتاب يشمل اليهود والنصارى وغيرهما ممن يعتقد بكتاب منزل. وقال الكرماني: أو المراد به، أي: بأهل الكتاب النصارى فقط، عطف خاص على خاص؛ وقال بعضهم: فيه نظر، لأن النصارى لا يصلون لبيت المقدس، فكيف يعجبهم؟ قلت: سبحان الله، إن هذا عجب شديد كيف لم يتأمل هذا كلام الكرماني بتمامه حتى نظر فيه، فإنه لما قال: المراد به النصارى فقط، قال: وجعلوا تابعة لأنه لم تكن قبلتهم، بل إعجابهم كان بالتبعية لليهود، على نفس عبارة الحديث يشهد بإعجاب النصارى أيضا، لان قوله: (وأهل الكتاب) إذا كان عطفا على اليهود يكونون داخلين فيما وصف به اليهود، فالنصارى من جملة أهل الكتاب، فهم أيضا داخلون فيه، والأظهر أن يكون: وأهل الكتاب، بالنصب على أن الواو فيه بمعنى: مع، أي: كان يصلي قبل بيت المقدس مع أهل الكتاب، وهذا وجه صحيح، ولكن يحتاج إلى تصحيح الرواية بالنصب، وفي هذا الوجه أيضا يدخل فيهم النصارى لأنهم من أهل الكتاب. قوله: (فلما ولى) أي: اقبل رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، وجهه نحو القبلة أنكروا ذلك، اي: انكر أهل الكتاب توجهه إليها فعند ذلك نزل: * (سيقول السفهاء من الناس) * (البقرة: 142)... الآية، وقد صرح البخاري بذلك في روايته من طريق إسرائيل.
بيان المعاني: قوله: (كان أول ما قدم المدينة)، كان قدومه، عليه السلام إلى المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول حين اشتداد الضحاء، وكادت الشمس تعتدل. وعن ابن عباس، رضي الله عنهما: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، فالظاهر أن بين خروجه من مكة ودخوله المدينة خمسة عشر يوما، لأنه أقام بغار ثور ثلاثة أيام، ثم سلك طريق الساحل وهو أبعد من طريق الجادة. قوله: (نزل على أجداده أو قال أخواله)، الشك من أبي إسحاق، والمراد بالأجداد هم من جهة الأمومة، وإطلاق الجد والخال هنا مجاز، لأن هاشما جد أب رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج من الأنصار، وقال موسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي وغيرهم: أول ما نزل رسول صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، وكان يجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، وقال ابن سعد: يقال: أقام فيهم أربع عشرة ليلة، وجاء مبينا في البخاري في كتاب الصلاة من رواية أنس، رضي الله عنه، قال: فنزل بأعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم خرج يوم الجمعة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة، فقال ابن إسحاق: فأتاه عتبان بن مالك في رجال من قومه فقالوا: يا رسول الله، أقم عندنا في العدد والعدد والمنعة، فقال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، لناقته، فخلوا سبيلها حتى إذا وازنت دار بني بياضة، فتلقاه قوم فقالوا له مثل ذلك، فقال لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها حتى مر ببني ساعدة، فقالوا له مثل ذلك فقال لهم مثل ما تقدم، ثم دار ببني الحرث بن الخزرج، فكذلك، ثم دار بني عدي بن النجار وهم أخواله، فإن أم عبد المطلب، سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، وكان هاشم بن عبد المطلب قدم المدينة فتزوج سلمى وكانت شريفة، لا تنكح الرجال حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها، إذا كرهت رجلا فارقته، فولدت لهاشم عبد المطلب فقالوا: يا رسول الله، هلم إلى اخوالك إلى العدد والعدد والمنعة، فقال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»