أن يكون حكمه حكم النفس في كونه معلوما من النصوص الأخر. ومنها ما قيل: المحبة أمر طبيعي غريزي لا يدخل تحت الاختيار، فكيف يكون مكلفا بما لا يطاق عادة؟ وأجيب: بأنه لم يرد به حب الطبع بل حب الاختيار المستند إلى الإيمان؟ فمعناه: لا يؤمن حتى يؤثر رضاي على هوى الوالدين، وإن كان فيه هلاكهما. ومنها ما قيل: ما وجه تقديم الوالد على الولد؟ وأجيب: بأن ذلك للأكثرية، لأن كل أحد له والد من غير عكس. قلت: الأولى أن يقال: إنما قدم ههنا الوالد نظرا إلى جانب التعظيم، وقدم الولد على الوالد في حديث أنس في رواية النسائي نظرا إلى جانب الشفقة والترحم.
15 حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.
هذان الإسنادان عطف أحدهما على الآخر قبل أن يسوق المتن في الأول، وذلك يوهم استواءهما وليس كذلك، فإن لفظ قتادة مثل لفظ حديث أبي هريرة، غير أن فيه زيادة وهي قوله: (والناس أجمعين)، ولفظ عبد العزيز بن صهيب مثله إلا أنه قال: كما رواه ابن خزيمة في (صحيحه) عن يعقوب بن إبراهيم شيخ البخاري بهذا الإسناد: (من أهله وماله)، بدل: (من والده وولده) وكذا في رواية مسلم من طريق ابن علية، وكذا الإسماعيلي من طريق عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز، ولفظه: (لا يؤمن الرجل)، وهو أشمل من جهة، ولفظ: (أحدكم) أشمل من جهة، وأشمل منهما رواية الأصيلي: (لا يؤمن أحد)، فإن النكرة في سياق النفي نعم. فإن قلت: إذا كان لفظ عبد العزيز مغايرا للفظ قتادة، فلم ساق البخاري كلامه بما يوهم اتحادهما في المعنى؟ قلت: البخاري كثيرا ما يصنع ذلك نظرا إلى أصل الحديث لا إلى خصوص ألفاظه، فإن قلت: لم اقتصر على لفظ قتادة، وما المرجح في ذلك؟ قلت: لأن لفظ قتادة موافق للفظ أبي هريرة في الحديث السابق. فإن قلت: قتادة مدلس ولم يصرح بالسماع؟ قلت: رواية شعبة عنه دليل على السماع لأنه لم يكن يسمع منه إلا ما سمعه، على أنه قد وقع التصريح به في هذا الحديث في رواية النسائي.
(بيان رجالهما) وهم سبعة: الأول: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح الدورقي العبدي، أخو أحمد بن إبراهيم، وكان الأكبر صنف المسند، وكان ثقة حافظا متقنا، رأى الليث، وسمع: ابن عيينة والقطان ويحيى بن أبي كثير وخلقا. روى عنه: أخوه وأبو زرعة وأبو حاتم والجماعة. مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين. الثاني: ابن علية، بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء آخر الحروف، وهو إسماعيل، وعلية أمه، وأبوه إبراهيم بن سهل بن مقسم البصري الأسدي، أسد خزاعة، مولاهم، أصله من الكوفة، قال شعبة فيه سيد المحدثين، سمع عبد العزيز بن صهيب، وأيوب السختياني، وسمع من محمد بن المنكدر أربعة أحاديث، وسمع خلقا غيرهم. وقال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، اتفق على جلالته وتوثيقه، ولي صدقات البصرة والمظالم ببغداد في آخر خلافة هارون، توفي ببغداد، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك، وصلى عليه ابنه إبراهيم في سنة أربع وتسعين ومائة، وكانت أمه علية نبيلة عاقلة، وكان صالح المزي وغيره من وجوه أهل البصرة وفقهائها يدخلون فتبرز لهم وتحادثهم وتسائلهم، روى له الجماعة. الثالث: عبد العزيز البناني، مولاهم، تابعي، سمع أنسا، روى عنه شعبة، وقال: هو عندي في أنس أحب إلي من قتادة، اتفق على توثيقه، روى له الجماعة، قال ابن قتيبة: هو وأبوه كانا مملوكين، وأجاز إياس بن معاوية شهادة عبد العزيز وحده. الرابع: آدم بن أبي إياس، وقد مر ذكره. الخامس: شعبة بن الحجاج. السادس: قتادة بن دعامة. السابع: أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد ذكروا فيما مضى.
(بيان الأنساب) الدورقي: نسبة إلى دورق، بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح الراء وفي آخره قاف، وهي قلانس كانوا يلبسونها فنسبوا إليها، وفي (المطالع): دورق أراه في بلاد فارس، وقيل: بل لصنعة قلانس تعرف بالدورقة نسبت إلى ذلك الموضع، وقال الرشاطي: دورق من كور الأهواز. وقال ابن خرداذبه: كور الأهواز رام هرمز، ومنها: ايزح