عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٤٣
فهو إذن تابعي صغير، وروى عنه جماعات من التابعين وهذا من فضائله، لأنه لم يسمع من الصحابة، وروى عنه التابعون، وولاه عمر بن عبد العزيز خراج العراق، وقال الليث بن سعد: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب علم وفقه وشعر وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة، وكان ربيعة يقول: شبر من خطوة خير من ذراع من علم، وقال أحمد: أبو الزناد أفقه من ربيعة. قال الواقدي: مات أبو الزناد فجأة في مغتسله سنة ثلاثين ومائة وهو ابن ست وستين سنة. وقال البخاري: أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. روى له الجماعة. الرابع: الأعرج وهو أبو داود عبد الرحمن بن هرمز، تابعي مدني قرشي، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، روى عن أبي سلمة وعبد الرحمن بن القاري، روى عنه: الزهري ويحيى الأنصاري ويحيى بن أبي كثير وآخرون واتفقوا على توثيقه، مات بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة على الصحيح، روى له الجماعة. واعلم أن مالكا لم يرو عن عبد الرحمن بن هرمز هذا إلا بواسطة، وأما عبد الله بن يزيد بن هرمز فقد روى عنه مالك، وأخذ عنه الفقه وهو عالم من علماء المدينة قليل الرواية جدا، توفي سنة ثمان وأربعين ومائة، فحيث يذكر مالك بن هرمز ويحكى عنه فإنما يريد: عبد الله بن يزيد هذا الفقيه، لأن عبد الرحمن بن هرمز، صاحب أبي الزناد المحدث، هذا، إنما يحدث عنه بواسطة ذلك، ووفاته سنة: سبع عشرة ومائة على ما ذكرنا، وهذا وفاته سنة: ثمان وأربعين ومائة، وهذا موضع التباس على كثير من الناس ذكرته للفرق بينهما، فافهم. الخامس: أبو هريرة وقد مضى ذكره.
(بيان لطائف إسناده): منها: أن فيه التحديث والعنعنة، وفي بعض النسخ: أخبرنا شعيب، فعلى هذا يكون فيه: الإخبار أيضا، والتفريق بين حدثنا وأخبرنا لا يقول به البخاري كما سيجيء في العلم. ومنها: أن إسناده مشتمل على حمصيين ومدنيين. ومنها: أنه قد وقع في (غرائب مالك) للدارقطني إدخال رجل، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن، بين الأعرج وأبي هريرة في هذا الحديث، وهي زيادة شاذة، فقد رواه الإسماعيلي بدونها من حديث مالك ومن حديث إبراهيم بن طهمان، وروى ابن منده من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي اليمان شيخ البخاري هذا الحديث مصرحا فيه بالتحديث في جميع الاسناد، وكذا للنسائي من طريق علي بن عياش، عن شعيب.
(بيان من أخرجه غيره) أخرجه البخاري هنا عن أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما، وأخرجه النسائي أيضا عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم في الإيمان عن ابن المثنى، وابن بشار عن غندر عن شعبة، ورواه عن زهير عن ابن علية، وعن شيبان بن فروخ عن عبد الوارث، كلاهما عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وأخرجه النسائي، وفي رواية أخرى للنسائي: (حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين).
(بيان الإعراب) قوله: (والذي) الواو: فيه للقسم، والذي، صفة موصوفه محذوف تقديره: والله الذي. قوله: (نفسي) مبتدأ و (بيده) خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول أعني: الذي. قوله: (لا يؤمن) نفي وهو جواب القسم. قوله: (حتى) للغاية هنا (وأكون) منصوب بتقدير: حتى أن أكون، وقد علم أن الفعل بعد حتى لا ينتصب إلا إذا كان مستقبلا، ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمن المتكلم فالنصب واجب نحو: * (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) * (طه: 91) وإن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالوجهان نحو: * (وزلزلوا حتى يقول الرسول) * (البقرة: 214) الآية، فإن قولهم: إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال لا بالنظر إلى زمن قص ذلك علينا. قوله: (أحب) نصب لأنه خبر أكون، ولفظه: أحب، أفعل التفضيل بمعنى المفعول، وهو على خلاف القياس، وإن كان كثيرا إذ القياس أن يكون بمعنى الفاعل، وقال ابن مالك: إنما يشذ بناؤه للمفعول إذا خيف اللبس بالفاعل، فإن أمن بأن لم يستعمل الفعل للفاعل، أو قرن به ما يشعر بأنه للمفعول لا يشذ كقولهم: هو أشغل من ذات النحيين وهو أكسر من البصل. وعبد الله بن أبي ألعن من لعن على لسان داود وعيسى، ولا أحرم ممن عدم الإنصاف، ولا أظلم من قتيل كربلا، وهو أزهى من الديك، وأرجى، وأخوف، وأهيب ولا يقتصر على السماع لكثرة مجيئه. فإن قلت: لا يجوز الفصل بين الفعل ومعموله لأنه كالمضاف والمضاف إليه، فكيف وقع لفظة: إليه، ههنا فصلا بينهما؟ قلت: الفصل بالأجنبي ممنوع لا مطلقا والظرف فيه توسع فلا يمنع.
(بيان المعاني) فائدة القسم، تأكيد الكلام به، ويستفاد منه جواز القسم على الأمر المبهم توكيدا، وإن لم يكن هناك من
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»