عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٥٠
اطلاقه التسوية، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك، ويقال: إن كلامه صلى الله عليه وسلم هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر، وكلام الذي خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيها مقام المضمر، ويقال: إن المتكلم لا يتوجه تحت خطاب نفسه إذا وجهه لغيره، ويقال: إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشرف من شاء بما شاء، كما أقسم بكثير من مخلوقاته، وكذلك له أن يأذن لنبيه صلى الله عليه وسلم ويحجره على غيره، ويقال: العمل بخبر المنع أولى، لأن الخبر الآخر يحتمل الخصوص، ولأنه ناقل، والآخر مبني في الأصل، ولأنه قول، والثاني فعل.
10 ((باب علامة الإيمان حب الانصار)) أي: هذا باب، ويجوز بالإضافة إلى الجملة والتقدير: باب فيه علامة الإيمان حب الأنصار. وجه المناسبة بين البابين أن هذا الباب داخل في نفس الأمر في الباب الأول، لأن حب الأنصار داخل في قوله: (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)، فإن قلت: فما فائدة التخصيص؟ قلت: الاهتمام بشأنهم والعناية بتخصيصهم في إفرادهم بالذكر.
17 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن قال جبر سمعت أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
(بيان رجاله) وهم أربعة: الأول: أبو الوليد الطيالسي، هشام بن عبد الملك البصري، مولى باهلة، سمع: مالكا وشعبة والحمادين وسفيان بن عيينة وآخرين، روى عنه: أبو زرعة وأبو حاتم وإسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى ومحمد بن مسلم بن وارة. قال أحمد بن حنبل: متقن، وقال أبو زرعة: أدرك الوليد نصف الإسلام وكان إماما في زمانه جليلا عند الناس، وقال أحمد بن عبد الله: هو ثقة في الحديث يروي عن سبعين امرأة، وكانت الرحلة بعد أبي داود الطيالسي إليه، ولد سنة ست وثلاثين ومائة، ومات سنة سبع وعشرين ومائتين، روى عنه: البخاري وأبو داود، وروى الباقون عن رجل عنه. الثاني: شعبة بن الحجاج. الثالث: عبد الله بن عبد الله بن جبر، بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء، ابن عتيك الأنصاري المدني، أهل المدينة يقولون: جابر والعراقيون: جبر، سمع: عمر وأنسا، روى عنه: مالك ومسعر وشعبة، روى له: البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. الرابع: أنس بن مالك رضي الله عنه.
(بيان الأنساب): الطيالسي نسبة إلى بيع الطيالسة، وهو جمع طيلسان، بفتح اللام وقيل بكسرها أيضا، والفتح أعلى، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب قال الأصمعي: أصله تالشان، والأنصاري، ليس بنسبة لأب ولا لأم، بل الأنصار قبيل عظيم من الأزد سميت بذلك لنصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنسبة إنما تكون إلى الواحد، وواحد الأنصار ناصر، مثل: أصحاب وصاحب، وكان القياس في النسبة إلى الأنصار ناصري، فقالوا: أنصاري، كأنهم جعلوا الأنصار اسم المعنى. والمدني: نسبة إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، كما يقال في النسبة إلى ربيع: ربعي، وفي جذيمة: جذمي، وقد تنسب هذه النسبة إلى غيرها من المدن. قال الرشاطي: قالوا في الرجل والثوب إذا نسب إلى المدينة مدني، والطير ونحوه: مديني؛ وفي (مختصر العين) يقال: رجل مدني، وحمام مديني. وقال الجوهري: إذا نسبت إلى مدينة الرسول عليه السلام، قلت: مدني، وإلى مدينة منصور قلت: مديني وإلى مدائن كسرى قلت: مدائني، للفرق بين النسب لئلا تختلط.
(بيان لطائف أسناده): ومنها: أن هذا الإسناد من رباعيات البخاري، فوقع عاليا، ووقع لمسلم خماسيا. ومنها: أن فيه التحديث والإخبار بالجمع والإفراد والسماع ومنها: أن فيه راويا وافق اسمه اسم أبيه.
(بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري ههنا، وأخرجه أيضا في فضائل الأنصار عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة به، وأخرجه مسلم، عن ابن المثنى، عن عبد الرحمن ابن مهدي، عن شعبة به. ولفظ مسلم: (آية المنافق وآية المؤمن). وأخرجه النسائي أيضا.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»