أو حق بادر إلى الإنصاف من نفسه، وقد روي هذا المعنى عن الفضيل بن عياض رحمه الله إنه قال لسفيان بن عيينة، رحمه الله: إن كنت تريد أن تكون الناس كلهم مثلك فما أديت لله الكريم نصحه، فكيف وأنت تود أنهم دونك؟ انتهى. قلت: المحبة في اللغة: ميل القلب إلى الشيء لتصور كمال فيه بحيث يرغب فيما يقربه إليه من حبه يحبه فهو محبوب، بكسر عين الفعل في المضارع، قال الشاعر:
* أحب أبا مروان من أجل تمرة * وأعلم بأن الرفق بالمرء ارفق * قال الصغاني: وهذا شاذ لأنه لا يأتي في المضاعف: يفعل، بالكسر، إلا ويشركه يفعل، بالضم، أو كان متعديا، ما خلا هذا الحرف، ويقال أيضا: أحبه فهو محبوب، ومثله مزكوم ومجنون ومكزوز ومقرور ومسلول ومهموم ومزعوق ومضعوف ومبرور ومملوء ومضؤد ومأروض ومحزون ومحموم وموهون ومنبوت ومسعود، وذلك أنهم يقولون في هذا كله: قد فعل بغير ألف ثم بني مفعول على فعل، وإلا فلا وجه له، فإذا قالوا: فعله، فهو كله بالألف.
(وأما الإعراب) فقوله: (لا يؤمن) نفي، وهي جملة من الفعل والفاعل، والفاعل هو أحد، كما ثبت في بعض نسخ البخاري أو: عبد، كما وقع في إحدى روايتي مسلم، والمعنى: لا يؤمن الإيمان الكامل، لأن أصل الإيمان لا يزول بزوال ذلك، أو التقدير: لا يكمل إيمان أحدكم. قوله: (حتى): ههنا جارة لا عاطفة ولا ابتدائية، وما بعدها خلاف ما قبلها، وأن بعدها مضمرة، ولهذا نصب: يحب، ولا يجوز رفعه ههنا لأن عدم الإيمان ليس سببا للمحبة. قوله: (لأخيه) متعلق بقوله: يحب. قوله: (ما يحب) جملة في محل النصب لأنها مفعول يحب، وقوله: (لنفسه) يتعلق به، وكلمة: ما، موصولة، والعائد محذوف، أي: ما يحبه، وفيه حذف تقديره: ما يحب من الخير لنفسه، ويدل عليه ما رواه النسائي كما ذكرناه. فإن قلت: كيف يتصور أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ وكيف يحصل ذلك المحبوب في محلين وهو محال؟ قلت: تقدير الكلام: حتى يحب لأخيه مثل ما يحب لنفسه.
(الأسئلة والأجوبة): منها: ما قيل: إذا كان المراد بالنفي كمال الإيمان يلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملا، وإن لم يأت ببقية الأركان. وأجيب: بأن هذا مبالغة، كأن الركن الأعظم فيه هذه المحبة نحو: (لا صلاة إلا بطهور)، أو هي مستلزمة لها، أويلزم ذلك لصدقه في الجملة، وهو عند حصول سائر الأركان، إذ لا عموم للمفهوم. ومنها ما قيل: من الإيمان أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه ولم لم؟ يذكره. وأجيب: بأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فيدخل تحت ذلك أو أن الشخص لا يبغض شيئا لنفسه فلا يحتاج إلى ذكره بالمحبة. ومنها ما قيل: إن قوله لأخيه ليس له عموم، فلا يتناول سائر المسلمين. وأجيب: بأن معنى قوله: لأخيه، للمسلمين تعميما للحكم أو يكون التقدير: لأخيه من المسلمين، فيتناول كل أخ مسلم.
8 ((باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان)) يجوز في باب الرفع مع التنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا باب، ويجوز بالإضافة إلى الجملة التي بعده، لأن قوله: حب الرسول، كلام إضافي مبتدأ، أو قوله: من الإيمان خبره، ويجوز فيه الوقف. لأن الإعراب لا يكون إلا بالتركيب. وجه المناسبة بين البابين من حيث اشتمال كل منهما على وجوب محبة كائنة من الإيمان، واللام في: الرسول، للعهد، والمراد به: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا جنس الرسول ولا الاستغراق بقرينة. قوله: (حتى أكون أحب) وإن كانت محبة الكل واجبة.
14 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
(بيان رجاله) وهم خمسة. الأول: أبو اليمان الحكم بن نافع وقد ذكر. الثاني: شعيب ابن أبي حمزة الحمصي، وقد مر ذكره. الثالث: أبو الزناد، بكسر الزاي وبالنون، وهو عبد الله بن ذكوان المدني القرشي، وكان يغضب من هذه الكنية لكن اشتهر بها، ويكنى أيضا، بأبي عبد الرحمن، وقد اتفق على إمامته وجلالته، وكان الثوري يسميه: أمير المؤمنين في الحديث. وقال أبو حاتم: هو ثقة صاحب سنة وهو ممن تقوم به الحجة إذ روى عنه الثقات، وشهد مع عبد الله بن جعفر جنازة