(ومن)، مبتدأ موصولة تتضمن معنى الشرط، و (أصاب)، جملة صلتها، (شيئا) مفعولة. قوله: (فعوقب) على صيغة المجهول عطف على قوله: أصاب، قوله: (فهو) مبتدأ ثان، وقوله: (كفارة) خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، والفاء لأجل الشرط، قوله: (ومن أصاب) الخ إعرابه مثل إعراب ما قبله. فإن قلت: فلم قال في قوله: فعوقب، بالفاء وفي قوله: ثم ستره الله، بثم؟ قلت: الفاء ههنا للتعقيب، ثم التعقيب في كل شيء بحسبه، فيجوز ههنا أن يكون بين الإصابة والعقاب مدة طويلة أو قصيرة وذلك بحسب الوقوع، ويجوز أن تكون الفاء للسببية كما في قوله تعالى: * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) * (الحج: 63) وأما: ثم، فإن وضعها للتراخي، وقد يتخلف، وههنا: ثم ليست على بابها، لأن الستر عند إرادة الله تعالى تكون عقيب الإصابة ولا يتراخى. فافهم.
(بيان المعاني). قوله: (وكان شهد بدرا) قد قلنا إنه صفة لعبادة، و: الواو، لتأكيد لصوقها بالموصوف. فإن قلت: هذا كلام من؟ قلت: يجوز أن يكون من كلام أبي إدريس، فيكون متصلا إذا حمل على أنه سمع ذلك من عبادة، ويجوز أن يكون من كلام الزهري، فيكون منقطعا، وكذا الكلام في قوله: (وهو أحد النقباء).
والمراد من النقباء: نقباء الأنصار، وهم الذين تقدموا لأخذ البيعة لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وهم اثني عشر رجلا، وهم العصابة المذكورة: أسعد بن زرارة. وعوف بن الحارث. وأخوه معاذ وهما ابنا عفراء. وذكوان بن عبد قيس، وذكر ابن سعد في طبقاته أنه مهاجري أنصاري. ورافع بن مالك الزرقيان. وعبادة بن الصامت. وعباس بن عبادة بن نضلة. ويزيد بن ثعلبة من بلى. وعقبة بن عامر. وقطبة بن عامر، فهؤلاء عشرة من الخزرج. ومن الأوس: أبو الهيثم بن التيهان من بلي. وعويم بن ساعدة. اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، فبينما هو عند العقبة إذا لقي رهطا من الخزرج، فقال: ألا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى، فجلسوا فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام، وتلي عليهم القرآن، وكانوا قد سمعوا من اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أظل زمانه. فقال بعضهم لبعض: والله إنه لذاك، فلا تسبقن اليهود عليكم، فأجابوه، فلما انصرفوا إلى بلادهم وذكروه لقومهم فشا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فأتى في العام القابل اثنا عشر رجلا إلى الموسم من الأنصار، أحدهم عبادة بن الصامت، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة، وهي بيعة العقبة الأولى فبايعوه بيعة النساء يعني، ما قال الله تعالى: * (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن) * (الممتحنة: 12) ثم انصرفوا وخرج في العام الآخر سبعون رجلا منهم إلى الحج، فواعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق، قال كعب بن مالك: لما كانت الليلة التي وعدنا فيها بتنا أول الليل مع قومنا، فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فرشنا حتى اجتمعنا بالعقبة، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس لا غير، فقال العباس: يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث علمتم، وهو في منعة ونصرة من قومه وعشيرته، وقد أبي إلا الانقطاع إليكم، فإن كنتم وافين بما عاهدتموه فأنتم وما تحملتم، وإلا فاتركوه في قومه. فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، داعيا إلى الله مرغبا في الإسلام تاليا للقرآن، فأجبناه بالإيمان، فقال: إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم به أبناءكم، فقلنا: ابسط يدك نبايعك عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إلي منكم اثنتي عشر نقيبا، فأخرجنا من كل فرقة نقيبا، وكان عبادة نقيب بني عوف، فبايعوه صلى الله عليه وسلم، وهذه بيعة العقبة الثانية: وله بيعة ثالثة مشهورة وهي البيعة التي وقعت بالحديبية تحت الشجرة عند توجهه من المدينة إلى مكة، تسمى: بيعة الرضوان، وهذه بعد الهجرة، بخلاف الأوليين: وعبادة شهدها أيضا فهو من المبايعين في الثلاث رضي الله عنه، قوله: (ولا تسرقوا) فيه حذف المفعول ليدل على العموم، قوله: (فعوقب) فيه حذف أيضا تقديره: فعوقب به، وهكذا هو في رواية أحمد. قوله: (فهو) أي: العقاب، وهذا مثل هو في قوله تعالى: * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * (المائدة: 8) فإنه يرجع إلى العدل الذي دل عليه: اعدلوا، وكذلك قوله: فعوقب، يدل على العقاب، وقوله: هو، يرجع إليه، قوله: (كفارة)، فيه حذف أيضا تقديره: كفارة له، وهكذا في رواية أحمد. وكذا في رواية للبخاري في باب المشيئة من كتاب التوحيد، وزاد أيضا: (وطهور). قال النووي: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * (النساء: 48 و 116) فالمرتد إذا قتل على الردة لا يكون القتل