من ذلك لم يحكم بإسلامه وقال الأشعري وقوم من المتكلمين لا يستحق أن يطلق عليه اسم الإيمان إلا بعد أن يعرف كل مسألة من مسائل أصول الدين بدليل عقلي غير أن الشرط أن يعرف ذلك بقلبه سواء أحسن العبارة عنه أو لا يعني لا يشترط أن يقدر على التعبير عن الدليل بلسانه ويبينه مرتبا موجها وقالوا هذا وإن لم يكن مؤمنا عندنا على الإطلاق لكنه ليس بكافر أيضا لوجود ما يضاد الكفر فيه وهو التصديق وقالوا وإنما قيدنا الدليل بالعقلي لأنه لا يجوز الاستدلال في إثبات أصول الدين بالدليل السمعي لأن ثبوت الدليل السمعي موقوف على ثبوت وجود الصانع والنبوة فلو أثبت وجود الصانع والنبوة به لزم الدور والمراد من التقليد هو اعتقاد حقية قول الغير على وجه الجزم من غير أن يعرف دليله وإذا عرف هذا جئنا إلى بيان وجهي المذهب الأصح الأول أن المقلد مأمور بالإيمان وقد ثبت أن الإيمان هو التصديق القلبي وقد أتى به فيكون مؤمنا وإن لم يعرف الدليل ونظر هذا الاحتجاج ما روى أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى لما قيل له ما بال أقوام يقولون يدخل المؤمن النار فقال لا يدخل النار إلا المؤمن فقيل له والكافر فقال كلهم مؤمنون يومئذ كذا ذكره في الفقه الأكبر فقد جعل الكفار مؤمنين في الآخرة لوجود التصديق منهم والكافر أيضا عند الموت يصير مؤمنا لأنه بمعاينة ملك الموت وأمارات عذاب الآخرة يضطر إلى التصديق إلا أن الإيمان في الآخرة وعند معاينة العذاب لا يفيد حصول ثواب الآخرة ولا يندفع به عقوبة الكفر وهذا هو المعنى من قول العلماء أن إيمان اليأس لا يصح أي لا ينفع ولا يقبل لا أنه لا يتحقق إذ حقيقة الإيمان التصديق وهو يتحقق إذ الحقائق لا تتبدل بالأحوال وإنما يتبدل الاعتبار والأحكام الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعد من صدقه في جميع ما جاء به من عند الله مؤمنا ولا يشتغل بتعليمه من الدلائل العقلية في المسائل الاعتقادية مقدار ما يستدل به مستدل ويناظر به الخصوم ويذب عن حريم الدين ويقدر على حل ما يورد عليه من الشبه ولا بتعليم كيفية النظر والاستدلال وتأليف القياسات العقلية وطرق المناظرة والإلزام وكذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبل إيمان من آمن من أهل الردة ولم يعلمهم الدلائل التي يصيرون بها مستبصرين من طرق العقل وكذا عمر رضي الله عنه لما فتح سواد العراق قبل هو وعماله إيمان من كان بها من الزط والأنباط وهما صنفان من الناس مع قلة أذهانهم وبلادة أفهامهم وصرفهم أعمارهم في الفلاحة وضرب المعاول وكري الأنهار والجداول ولو لم يكن إيمان المقلد معتبرا لفقد شرطه وهو الاستدلال العقلي لاشتغلوا بأحد أمرين إما بالإعراض عن قبول إسلامهم أو بنصب متكلم حاذق بصير بالأدلة عالم بكيفية المحاجة ليعلمهم صناعة الكلام حتى يحكموا بإيمانهم ولما امتنعوا عن كل واحد من هذين الأمرين وامتنع أيضا كل من قام مقامهم إلى يومنا هذا عن ذلك ظهر أن ما ذهب إليه الخصم باطل لأنه خلاف صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه العظام وغيرهم من الأئمة الأعلام * النوع الثالث في أن الإيمان هل يزيد وينقص وهو أيضا من فروع اختلافهم في حقيقة الإيمان فقال بعض من ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق أن حقيقة التصديق شيء واحد لا يقبل الزيادة والنقصان وقال آخرون أنه لا يقبل النقصان لأنه لو نقص لا يبقى إيمانا ولكن يقبل الزيادة لقوله تعالى * (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) * ونحوها من الآيات * وقال الداودي سئل مالك عن نقص الإيمان وقال قد ذكر الله تعالى زيادته في القرآن وتوقف عن نقصه وقال لو نقص لذهب كله * وقال ابن بطال مذهب جماعة من أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والحجة على ذلك ما أورده البخاري قال فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص وذكر الحافظ أبو القاسم هبة الله اللالكائي في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر وعمار وأبو هريرة وحذيفة وسلمان وعبد الله بن رواحة وأبو أمامة وجندب بن عبد الله وعمير بن حبيب وعائشة رضي الله تعالى عنهم ومن التابعين كعب الأحبار وعروة وعطاء وطاوس ومجاهد وابن أبي مليكة وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والحسن ويحيى بن أبي كثير والزهري وقتادة وأيوب ويونس وابن عون وسليمان التيمي وإبراهيم النخعي وأبو البحتري وعبد الكريم الجريري وزيد بن الحارث والأعمش ومنصور والحكم وحمزة الزيات وهشام بن حسان ومعقل بن عبيد الله الجريري ثم محمد بن أبي ليلى والحسن بن صالح ومالك بن مغول ومفضل بن مهلهل
(١٠٧)