عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١١١
في منهاجه ألفاظا تقوم مقام لا إله إلا الله في بعضها نظر لانتفاء ترادفها حقيقة فقال ويحصل الإسلام بقوله لا إله غير الله ولا إله سوى الله أو ما عدا الله ولا إله إلا الرحمن أو الباريء أو لا رحمن أو لا بارئ إلا الله أو لا ملك أو لا رازق إلا الله وكذا لو قال لا إله إلا العزيز أو العظيم أو الحكيم أو الكريم وبالعكس قال ولو قال أحمد أبو القاسم رسول الله فهو كقوله محمد (وهو قول وفعل ويزيد وينقص) أي أن الإيمان قول باللسان وفعل بالجوارح * فإن قلت الإيمان عنده قول وفعل واعتقاد فكيف ذكر القول والفعل ولم يذكر الاعتقاد الذي هو الأصل * قلت لا نزاع في أن الاعتقاد لا بد منه والكلام في القول والفعل هل هما منه أم لا فلا جل ذلك ذكر ما هو المتنازع فيه وأجيب أيضا بأن الفعل أعم من فعل الجوارح فيتناول فعل القلب * وفيه نظر من وجهين أحدهما هو أن يقال لا حاجة إلى ذكر القول أيضا لأنه فعل اللسان والآخر أن الاعتقاد من مقولة الانفعال أو الفعل وفيه تأمل * فإن قلت ما وجه من أعاد الضمير أعني هو إلى الإسلام قلت وجهه أن الإيمان والإسلام واحد عند البخاري فإذا كان كلاهما واحدا يجوز عود الضمير إلى كل واحد منهما قوله يزيد وينقص أي الإيمان والإسلام قبل الزيادة والنقصان هذا على تقدير دخول القول والفعل فيه ظاهر وأما على تقدير أن يكون نفس التصديق فإنه أيضا يزيد وينقص أي قوة وضعفا أو إجمالا وتفصيلا أو تعدادا بحسب تعدد المؤمن به كما حققناه فما مضى وهذا الذي قاله البخاري منقول عن سفيان بن عيينة فإنه قال الإيمان قول وفعل يزيد وينقص فقال له أخوه إبراهيم لا تقل ينقص فغضب وقال اسكت يا صبي بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء قال أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر بن يزيد رسته حدثنا الحميدي حدثني يحيى بن سليم الطائفي قال سألت عشرة من الفقهاء فكلهم قالوا الإيمان قول وعمل الثوري وهشام بن حسان وابن جريج ومحمد بن عمرو بن عثمان والمثنى بن الصباح ونافع بن عمر الجمحي ومحمد بن مسلم الطائفي ومالك بن أنس وفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة قال رسته وحدثنا بعض أصحابنا عن عبد الرزاق قال سمعت معمرا والأوزاعي يقولان الإيمان قول وعمل يزيد وينقص قال الله تعالى * (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وزدناهم هدى ويزيد الله الذي اهتدوا هدى والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ويزداد الذين آمنوا إيمانا) * وقوله * (أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) * وقوله جل ذكره * (فاخشوهم فزادهم إيمانا) * وقوله تعالى * (وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) * هذه ثمان آيات ذكرها دليلا على زيادة الإيمان وقد قلنا أنه كثيرا ما يستدل لترجمة الباب بالقرآن وبما وقع له من سنة مسندة وغيرها أو أثر من الصحابة أو قول للعلماء ونحو ذلك ولكن ذكر هذه الآيات ما كان يناسب إلا في باب زيادة الإيمان ونقصانه * فإن قلت الآيات دلت على الزيادة فقط والمقصود بيان الزيادة والنقصان كليهما قلت قال الكرماني كل ما قبل الزيادة لا بد أن يكون قابلا للنقصان ضرورة ثم الآية الأولى في سورة الفتح وهو قوله تعالى * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما) * قال الزمخشري أي أنزل الله في قلوبهم السكون والطمأنينة بسبب الصلح والأمن ليعرفوا فضل الله تعالى عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف والهدنة غب القتال فيزدادوا يقينا إلى يقينهم أو أنزل فيها السكون إلى ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشرائع ليزدادوا يقينا إلى يقينهم أو أنزل فيها السكون إلى ما جاء به محمد عليه السلام من الشرائع ليزدادوا إيمانا بالشرائع مقرونا إلى إيمانهم وهو التوحيد وعن ابن عباس أول ما أتاهم به النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد فلما آمنوا بالله وحده أنزل الصلاة والزكاة ثم الحج ثم الجهاد فازدادوا إيمانا إلى إيمانهم وأنزل فيها الوقار والعظمة لله ولرسوله ليزدادوا باعتقاد ذلك إيمانا إلى إيمانهم وقيل أنزل الله فيه الرحمة ليتراحموا فيزداد إيمانهم الآية الثانية في سورة الكهف وهي قوله تعالى * (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا) * الآية * (نبأهم) * أي خبرهم والفتية جمع فتى والهدى من هداه يهديه أي دلالة موصلة إلى البغية وهو متعد والاهتداء لازم قال الزمخشري * (وزدناهم هدى) *
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»