عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١١٢
بالتوفيق والتثبت * (وربطنا على قلوبهم) * وقوينا بالصبر على هجر الأوطان والنعيم والفرار بالدين إلى بعض الغير أن وحشرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام * (إذ قاموا) * بين يدي الجبار وهو دقيانوس من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم * (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) * الآية الثالثة في سورة مريم وهي قوله تعالى * (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا) * أي يزيد الله المهتدين هداية بتوفيقه والمراد من الباقيات الصالحات أعمال الآخرة كلها وقيل الصلوات وقيل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أي هي خير ثوابا من مفاخرات الكفار وخير مرد أي مرجعا وعاقبة الآية الرابعة في سورة محمد صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى * (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) * أي زادهم الله هدى بالتوفيق * (وآتاهم تقواهم) * أعانهم عليها وعن السدي بين لهم ما يتقون وقريء وأعطاهم الآية الخامسة في سورة المدثر وهي قوله تعالى * (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقين الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا) * أي عدة الملائكة الذين يلون أمر جهنم لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له ولأنهم أشد الخلق بأسا وأقواهم بطشا والتقدير لقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من عند الله وازداد المؤمنون إيمانا لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل الآية السادسة في سورة براءة من الله ورسوله وهي قوله تعالى * (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون) * أي فمن المنافقين من يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانا إنكار واستهزاء بالمؤمنين واعتقادهم زيادة الإيمان بزيادة العلم الحاصل بالوحي والعمل به الآية السابعة في سورة آل عمران وهي قوله تعالى * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * المراد من الناس الأول نعيم بن مسعود الأشجعي ومن الثاني أهل مكة وروى أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل من الظهران فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم إني واعدت محمدا أن نلتقي بموسم بدر وأن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبان وقد بدا لي ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جراءة فالحق بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشر من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم ما هذا بالرأي أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريد أفتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم فوالله لا يفلت منكم أحد وقيل مر بأبي سفيان ركب عبد القيس يريدون المدينة للميرة فجعل لهم حمل بعير من زبيب أن ثبطوهم فكره المسلمون الخروج فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل وكان معهم تجارات فباعرها وأصابوا خيرا ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين فخرج أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا إنما خرجتم لتشربوا السويق: الآية الثامنة في سورة الأحزاب وهي قوله تعالى * (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) * هذا إشارة إلى الخطب والبلاء قوله * (وما زادهم إلا إيمانا) * أي بالله وبمواعيده * (وتسليما) * لقضاياه وأقداره (والحب في الله والبغض في الله من الإيمان) والحب مرفوع بالابتداء والبغض معطوف عليه وقوله من الإيمان خبره وكلمة في أصلها للظرفية ولكنها ههنا تقال للسببية أي بسبب طاعة الله تعالى ومعصيته كما في قوله صلى الله عليه وسلم في النفس المؤمنة مائة من الإبل وقوله في التي حبست الهرة فدخلت النار فيها أي بسببها ومنه قوله * (فذلكن الذي لمتنني فيه) * وقوله * (لمسكم فيما أفضتم) * ثم هذه الجملة يجوز أن تكون عطفا على ما أضيف إليه الباب فتدخل في ترجمة الباب كأنه قال والحب في الله من الإيمان والبغض في الله من الإيمان ويجوز أن يكون ذكرها لبيان إمكان الزيادة والنقصان كذلك الآيات وروى أبو داود بإسناده إلى
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»