عن البضع والسبعين فرجعت إلى كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الايمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد فإذا كل شئ عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وتسعون شعبة لا يزيد عليها ولا تنقص فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن وذكر أبو حاتم رحمه الله جميع ذلك في كتاب وصف الايمان وشعبه وذكر أن رواية من روى بضع وستون شعبة أيضا صحيحة فان العرب قد تذكر للشئ عددا ولا تريد نفى ما سواه وله نظائر أوردها في كتابه منها في أحاديث الايمان والاسلام والله تعالى أعلم قوله (والحياء شعبة من الايمان) وفي الرواية الأخرى الحياء من الايمان وفي الأخرى الحياء لا يأتي الا بخير وفي الأخرى الحياء خير كله أو قال كله خير الحياء ممدود وهو الاستحياء قال الامام الواحدي رحمه الله تعالى قال أهل اللغة الاستحياء من الحياة واستحيا الرجل من قوة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع الغيب قال فالحياء من قوة الحس ولطفه وقرة الحياة وروينا في رسالة الامام الأستاذ أبى القاسم القشيري عن السيد الجليل أبى القاسم الجنيد رضي الله عنه قال الحياء رؤية الآلاء أي النعم ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء وقال القاضي عياض وغيره من الشراح إنما جعل الحياء من الايمان وإن كان غريزة لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم فهو من الايمان بهذا ولكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصي وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتي الا بخير فقد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحى أن يواجه بالحق من يجله فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقد يحمله الحياء على الاخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور ومهانة وإنما تسميته حياء من اطلاق بعض أهل العرف أطلقوه ومجازا لمشابهته الحياء
(٥)