السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد أم لا يغير ما كان على مذهب غيره والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه ولم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره وكذلك قالوا ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا أو اجماعا أو قياسا جليا والله أعلم واعلم أن هذا الباب أعنى باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان الا رسوم قليلة جدا وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتنى بهذا الباب فان نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فان الله تعالى قال الله من ينصره تعالى يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقال تعالى أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين واعلم أن الاجر على قدر النصب ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فان صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها وصديق الانسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وأن أدى ذلك إلى نقص في دنياه وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وان حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه وإنما كان إبليس عدوا لنا لهذا وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته وأن يعمنا بجوده ورحمته والله أعلم وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشأنه ومما يتساهل أكثر الناس فيه من هذا الباب ما إذا رأى انسانا يبيع متاعا معيبا أو نحوه فإنهم لا ينكرون ذلك ولا يعرفون المشترى بعيبه وهذا خطأ ظاهر وقد
(٢٤)