السقيفة وفدك - الجوهري - الصفحة ٤٠
* وحدثني المغيرة محمد المهلبي قال: ذاكرت إسماعيل بن إسحاق القاضي، عند الحديث وأن أبا سفيان قال لعثمان: بأبي أنت أنفق ولا تكن كأبي حجر، وتداولوها يا بني أمية تداول الولدان الكرة، فوالله ما من جنة، ولا نار، وكان الزبير حاضرا فقال عثمان لأبي سفيان: أعزب، فقال:
يا بني أهاهنا أحد؟ قال الزبير: نعم والله لأكتمها عليك، قال فقال إسماعيل: هذا باطل، قلت: وكيف ذلك؟ قال: ما أنكر هذا من أبي سفيان، ولكن أنكر أن يكون سمعه عثمان ولم يضرب عنقه.
* وجاء أبو سفيان إلى علي (عليه السلام)، فقال: وليتم على هذا الأمر أذل بيت قريش، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فضيل خيلا ورجلا، فقال علي (عليه السلام): طالما غششت الإسلام وأهله، فما ضررتهم شيئا، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك، لولا إنا رأينا أبا بكر لها أهلا لما تركناه.
* ولما بويع لأبي بكر، كان الزبير، والمقداد، يختلفان في جماعة من الناس إلى علي، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة (عليها السلام)، وقال: يا بنت رسول الله تأمني أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم، فلما خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف له، فانصرفوا عنا راشدين، فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر.

(١) ابن أبي الحديد ٣: ٤٤.
(٢) ابن أبي الحديد ٢: ٤٥. تاريخ الطبري ٣: ٢ ٢ عن محمد بن عثمان بن صفوان الثقفي، عن ابن قتيبة، عن مالك بن مغول، عن ابن الحجر. والحديث ليس بصحيح سنده محمد بن عثمان بن صفوان، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٣: ٦٤١، وقال:
قال أبو حاتم، منكر الحديث.
(٣) ابن أبي الحديد ٢: ٤٥. تاريخ الطبري ٣: ١٩٨ عن زياد بن كليب أبو معشر التميمي الكوفي مات سنة ١٢، قال حاتم: ليس بالمتين في حفظه، تهذيب التهذيب ٣: ٣٨٢. ميزان الاعتدال ٢: ٩٢.
لم يبايع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) طول حياته، ولم يتمكن أحد من إرغامه على البيعة لأنه (عليه السلام) كان بنص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى من غيره، ولأن الإمامة والخلافة كانت ثابتة فيه، وكيف يبايع وهو على يقين صادق، واعتقاد راسخ من أن الصحابة، وعلى يقين من أن محل علي (عليه السلام) منها محل القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، فسدل دونها ثوبا، وطوى عنها كشحا، وطفق يرتأي بين أن يصول بيد جذاء، أو يصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأى أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى كيف يبايع أبو الحسن (عليه السلام) وهو يقول بصراحة وشهامة لأبي بكر: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي.
ولو فرضنا بيعته لأبي بكر فمعناها أنه (عليه السلام) صادق ووافق على إمامة أبي بكر، فما معنى هذه الخطب والمناشدات والاحتجاجات التي صدرت منه (عليه السلام) خلال حكومة أبي بكر، وعمر، وعثمان في عدة مناسبات ومشاهدات، ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا - النساء: ١١٥.
ولشيخ الطائفة الشيخ المفيد محمد البغدادي، حديث في الدلالة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر، فقد قال رضي الله عنه: قد أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن بيعة أبي بكر فالمقلل يقول تأخره ثلاثة أيام، ومنهم من يقول: تأخر حتى ماتت فاطمة (عليها السلام)، ثم بايع بعد موتها، ومنهم من يقول تأخر أربعين يوما، ومنهم من يقول: تأخر ستة أشهر، والمحققون من أهل الإمامة يقولون لم يبايع ساعة قط فقد حصل الإجماع على تأخره عن البيعة، ثم اختلفوا في بيعته بعد ذلك على ما قدمناه به الشرح.
فمما يدل على أنه لم يبايع البتة أنه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى، وتركه ضلالا، أو يكون ضلالا وتركه هدى وصوابا، أو يكون صوابا وتركه صوابا، أو يكون خطأ وتركه خطأ، فلو كان التأخر ضلالا وباطلا لكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ضل بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بترك الهدى الذي كان يجب المصير إليه وقد أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقع منه ضلال بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا في طول زمان أبي بكر، وأيام عمر، وعثمان وصدرا من أيامه، حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الأمة، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا، وإن كان تأخره هدى وصوابا وتركه خطأ وضلالا، فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال، سيما والإجماع واع على أنه لم يظهر منه ضلال في أيام الثلاثة الذين تقدموا عليه، ومحال أن يكون التأخر خطأ وتركه خطأ للإجماع على بطلان ذلك أيضا ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال.
وليس يصح أن يكون صوابا، لأن الحق لا يكون في جهتين مختلفتين، ولا على وصفين متضادين ولأن القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعون على أنه لم يك إشكال في جواز الاختيار، وصحة إمامة أبي بكر، وإنما الناس بين قائلين، قائل من الشيعة يقول: إن إمامة أبا بكر كانت فاسدة فلا يصح القول بها أبدا، وقائل من الناصبة يقول إنها كان صحيحة، ولم يكن على أحد ريب في صوابها إذ جهة استحقاق الإمامة هو ظاهر العدالة والنسب والعلم والقدرة على القيام بالأمور، ولم تكن هذه الأمور تلتبس على أحد في أبي بكر عندهم وعلى ما يذهبون إليه فلا يصح مع ذلك أن يكون المتأخر عن بيعته مصيبا أبدا، لأنه لا يكون متأخرا لفقد الدليل بل لا يكون متأخرا لشبهة، وإنما يتأخر إذا ثبت أنه تأخر للعناد فثبت بما بيناه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر على شئ من الوجوه كما ذكرناه وقدمناه، وقد كانت الناصبة غافلة عن هذا الاستخراج في موافقتها على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن البيعة وقتا ما، ولو فطنت له لسبقت بالخلاف فيه عن الإجماع وما أبعد أنهم سيرتكبون ذلك إذا وقفوا على هذا الكلام غير أن الإجماع السابق لمرتكب ذلك بحجه ويسقط قوله فيهون قصته ولا يحتاجه معه إلى الإكثار - الفصول المختارة: ٣١ -.
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست