فمن يفعله يمقته الله فلا تعرضوا لمقت الله عز وجل فإنما ممركم إلى الله وقد قال الله عز وجل: ﴿لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا﴾ (1) وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الآجلة فاستعينوا بالصبر والصدق فإنما ينزل النصر بعد الصبر فجاهدوا في الله حق جهاده ولا قوة إلا بالله.
وقال (عليه السلام) حين مر براية لأهل الشام أصحابها لا يزولون عن مواضعهم فقال (عليه السلام):
انهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم وضرب يفرق الهام ويطيح العظام ويسقط منه المعاصم والأكف حتى تصدع جباههم بعمد الحديد وتنثر حواجبهم على الصدور والأذقان أين أهل الصبر وطلاب الأجر؟ فسارت إليه عصابة من المسلمين فعادت ميمنته إلى موقفها ومصافها وكشفت من بإزائها فاقبل حتى انتهى إليهم.
وقال (عليه السلام): إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم تحوزكم الجفاة والطغاة واعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم وعمار الليل بتلاوة القرآن ودعوة أهل الحق إذ ضل الخاطئون فلو لا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم لوجب عليكم ما يجب على المولى يوم الزحف دبره وكنتم فيما أرى من الهالكين ولقد هون علي بعض وجدي وشفى بعض حاج صدري إذا رأيتكم حزتموهم كما حازوكم فأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم وأنتم تضربونهم بالسيوف حتى ركب أولهم آخرهم كالإبل المطرودة الهيم الآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة وثبتكم الله باليقين وليعلم المنهزم بأنه مسخط ربه وموبق نفسه ان في الفرار موجدة الله والذل اللازم والعار الباقي وفساد العيش عليه وإن الفار لغير مزيد في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه ولا يرضى ربه ولموت الرجل محقا قبل اتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبيس بها والإقرار عليها.