مستضعفين، قد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف ومخضهم بالمكاره (خ 192).
وتدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم، كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء، ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء وأجهد العباد بلاء، وأضيق أهل الدنيا حالا، إتخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب، وجرعوهم المرار، فلم تبرح الحال بهم في ذل الهلكة وقهر الغلبة، لا يجدون حيلة في امتناع، ولا سبيلا إلى دفاع، حتى إذا رأى الله سبحانه جد الصبر منهم على الأذى في محبته، والاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضايق البلاء فرجا، فأبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكا حكاما، وأئمة أعلاما، وقد بلغت الكرامة من الله لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم (خ 292).
(93) في أنه تعالى يملي على العاصين والكافرين ليزدادوا إثما:
فلا يغرنكم ما أصبح فيه أهل الغرور، فإنما هو ظل ممدود إلى أجل معدود (خ 64).
فلا تعتبروا الرضى والسخط بالمال والولد جهلا بمواقع الفتنة والاختبار في موضع الغنى والاقتدار، فقد قال سبحانه وتعالى:
«أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون» فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أنفسهم (خ 192).
وقدر الأرزاق فكثرها وقللها، وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر من غنيها وفقيرها (خ 91).
أيها الناس، ليراكم الله من النعمة وجلين، كما يراكم من النقمة فرقين، إنه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا، فقد أمن مخوفا، ومن ضيق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيع مأمولا (ح 358).
ولقد كان في رسول الله (ص) ما يدلك على مساوىء الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله، أكرم الله محمدا بذلك أم أهانه فإن قال أهانه فقد كذب - والله العظيم -، وإن قال: أكرمه،