الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " (1).
إلى غير ذلك من أنواع الشتم والرمي والإهانة التي حكي عنهم في القرآن، ولم ينقل عن الأنبياء (عليهم السلام) أن يقابلوهم بخشونة أو بذاء بل بالقول الصواب والمنطق الحسن اللين اتباعا للتعليم الإلهي الذي لقنهم خير القول وجميل الأدب، قال تعالى خطابا لموسى وهارون (عليهما السلام): " اذهبا إلى فرعون إنه طغى * وقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " (2) وقال لنبيه (صلى الله عليه وآله): " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا " (3).
ومن أدبهم في المحاورة والخطاب أنهم كانوا ينزلون أنفسهم منزلة الناس فيكلمون كل طبقة من طبقاتهم على قدر منزلته من الفهم، وهذا ظاهر بالتدبر فيما حكي من محاوراتهم الناس على اختلافهم المنقولة عن نوح ومن بعده، وقد روى الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله): إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم (4).
وليعلم أن البعثة بالنبوة إنما بنيت على أساس الهداية إلى الحق وبيانه والانتصار له، فعليهم أن يتجهزوا بالحق في دعوتهم، وينخلعوا عن الباطل ويتقوا شبكات الضلال أيا ما كانت، سواء وافق ذلك رضا الناس أو سخطهم، واستعقب طوعهم أو كرههم، ولقد ورد منه تعالى أشد النهي في ذلك لأنبيائه وأبلغ التحذير حتى عن اتباع الباطل قولا وفعلا بغرض نصرة الحق، فإن الباطل باطل سواء وقع في طريق الحق أو لم يقع، والدعوة إلى الحق لا يجامع تجويز الباطل ولو في طريق الحق، والحق الذي يهدي إليه الباطل وينتجه ليس بحق من جميع جهاته.
ولذلك قال تعالى: " وما كنت متخذ المضلين عضدا " (5) وقال: " ولولا أن