وقومه إذ قال: " فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون * ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون (أي في تحقيركم أمر الفقير الضعيف) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك (أي لا أدعي شيئا يميزني منكم بمزية إلا أني رسول إليكم) ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم (أي من الخير والسعادة اللذين يرجيان منهم) إني إذا لمن الظالمين " (1).
ونظيره في نفي التميز قول شعيب لقومه على ما حكاه الله: " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " (2). وقال الله تعالى يعرف رسوله (صلى الله عليه وآله) للناس: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " (3) وقال أيضا: " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم " (4) وقال أيضا: " وإنك لعلى خلق عظيم " (5) وقال أيضا وفيه جماع ما تقدم: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " (6).
وهذه الآيات وإن كانت بحسب المعنى المطابقي ناظرة إلى أخلاقه (صلى الله عليه وآله) الحسنة دون أدبه الذي هو أمر وراء الخلق إلا أن نوع الأدب - كما تقدم بيانه - يستفاد من نوع الخلق، على أن نفس الأدب من الأخلاق الفرعية.