أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " (1).
تأدب (عليه السلام) في كلامه أولا بأن صدره بتنزيهه تعالى عما لا يليق بقدس ساحته كما جرى عليه كلامه تعالى قال: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه " (2).
وثانيا بأن أخذ نفسه أدون وأخفض من أن يتوهم في حقه أن يقول مثل هذا القول حتى يحتاج إلى أن ينفيه، ولذلك لم يقل من أول مقالته إلى آخرها:
" ما قلت " أو " ما فعلت " وإنما نفى ذلك مرة بعد مرة على طريق الكناية وتحت الستر فقال: " ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " فنفاه بنفي سببه أي لم يكن لي حق في ذلك حتى يسعني أن أتفوه بمثل ذاك القول العظيم، ثم قال: " إن كنت قلته فقد علمته... الخ " فنفاه بنفي لازمه، أي إن كنت قلته كان لازم ذلك أن تعلمه لأن علمك أحاط بي وبجميع الغيوب.
ثم قال: " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم " فنفاه بإيراد ما يناقضه مورده على طريق الحصر ب " ما " وإلا أي إني قلت لهم قولا ولكنه هو الذي أمرتني به وهو أن اعبدوا الله ربي وربكم، وكيف يمكن أن أقول لهم مع ذلك أن اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟
ثم قال: " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " وهو نفي منه (عليه السلام) لذلك كالمتمم لقوله: " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به... الخ " وذلك لأن معناه: ما قلت لهم شيئا مما ينسب إلي والذي قلت لهم إنما قلته عن أمر منك، وهو " أن اعبدوا الله ربي وربكم " ولم يتوجه إلي أمر فيما سوى ذلك، ولا مساس بهم إلا الشهادة والرقوب لأعمالهم ما دمت، فلما توفيتني انقطعت