محكيا عن لسان حالهم، وإن أمكن أن يكون ذلك مما قاله آخرون بلسان قائلهم، أو يكون النبي (صلى الله عليه وآله) هو القائل ذلك مشافها ربه عن نفسه الشريفة وعن المؤمنين، لأنهم بإيمانهم من فروع شجرة نفسه الطيبة المباركة.
والآيتان تشتملان على ما هو كالمقايسة والموازنة بين أهل الكتاب وبين مؤمني هذه الأمة من حيث تلقيهم ما انزل إليهم في كتاب الله، وإن شئت قلت: من حيث تأدبهم بأدب العبودية تجاه الكتاب النازل إليهم، فإنه ظاهر ما أثنى الله سبحانه على هؤلاء وخفف الله عنهم في الآيتين بعين ما وبخ أولئك عليه وعيرهم به في الآيات السابقة من سورة البقرة، فقد ذم أهل الكتاب بالتفريق بين ملائكة الله فأبغضوا جبريل وأحبوا غيره، وبين كتب الله المنزلة فكفروا بالقرآن وآمنوا بغيره، وبين رسل الله فآمنوا بموسى أو به وبعيسى وكفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله) وعليهم، وبين أحكامه فآمنوا ببعض ما في كتاب الله وكفروا ببعض، والمؤمنون من هذه الأمة آمنوا " بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ".
فقد تأدبوا مع ربهم بالتسليم لما أحقه الله من المعارف الملقاة إليهم، ثم تأدبوا بالتلبية لما ندب الله إليه من أحكامه إذ قالوا: " سمعنا وأطعنا " لا كقول اليهود:
" سمعنا وعصينا " (1) ثم تأدبوا فعدوا أنفسهم عبادا مملوكين لربهم لا يملكون منه شيئا ولا يمتنون عليه بإيمانهم وطاعتهم فقالوا: " غفرانك ربنا " لا كما قالت اليهود:
" يغفر لنا " وقالت: " إن الله فقير ونحن أغنياء " (2) وقالت: " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " (3) إلى غير ذلك من هفواتهم.
ثم قال الله سبحانه: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " فإن التكليف الإلهي يتبع بحسب طبعه الفطرة التي فطر الناس عليها، ومن المعلوم أن الفطرة التي هي نوع الخلقة لا تدعو إلا إلى ما جهزت به، وفي ذلك سعادة الحياة البتة.