ولا تتفرقوا فيه " (1).
وقد فرق الله الأدبين في موضع آخر فقال: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " (2) فأدبهم بتوحيده وبناء العبادة عليه، وهذا هو أدبهم بالنسبة إلى ربهم، وقال: " وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها - إلى أن قال: - وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق " (3) فذكر أن سيرة الأنبياء جميعا وهو أدبهم الإلهي هو الاختلاط بالناس ورفض التحجب والاختصاص والتميز من بين الناس فكل ذلك مما تدفعه الفطرة، وهذا أدبهم في الناس.
6 - من أدب الأنبياء (عليهم السلام) في توجيههم الوجوه إلى ربهم ودعائهم إياه ما حكاه الله تعالى من قول آدم (عليه السلام) وزوجته: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " (4) كلمة قالاها بعد ما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله أن يقربا منها، وإنما كان نهي إرشاد ليس بالمولوي، ولم يعصياه عصيان تكليف، بل كان ذلك منهما مخالفة نصيحة في رعايتها صلاح حالهما، وسعادة حياتهما في الجنة الآمنة من كل شقاء وعناء، وقد قال لهما ربهما في تحذيرهما عن متابعة إبليس: " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " (5).
فلما وقعا في المحنة وشملتهما البلية، وأخذت سعادة الحياة يوادعهما وداع ارتحال لم يشتغلا بأنفسهما اشتغال اليائس البائس، ولم يقطع القنوط ما بينهما وبين ربهما من السبب الموصول بل بادرا إلى الالتجاء بالله الذي إليه أمرهما، وبيده كل خير يأملانه لأنفسهما فأخذا وتعلقا بصفة ربوبيته المشتملة على كل ما يدفع به