أي أن يختار أعمالهم الصالحة المبنية على التوحيد الصادرة عنهم عن تأديب عملي إلهي.
ونعني بهذا التأديب العملي ما يشير إليه قوله تعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " (1). فإن إضافة المصدر في قوله " فعل الخيرات... الخ " تدل على أن المراد به الفعل الصادر منهم من خيرات فعلوها وصلاة أقاموها وزكاة آتوها دون مجرد الفعل المفروض، فهذا الوحي المتعلق بالأفعال في مرحلة صدورها منهم وحي تسديد وتأديب، وليس هو وحي النبوة والتشريع، ولو كان المراد به وحي النبوة لقيل: " وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " كما في قوله تعالى: " ثم أوحينا إليك أن اتبع " (2) وقوله: " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة " (3) إلى غير ذلك من الآيات، ومعنى وحي التسديد أن يخص الله عبدا من عباده بروح قدسي يسدده في أعمال الخير والتحرز عن السيئة كما يسددنا الروح الإنساني في التفكر في الخير والشر، والروح الحيواني في اختيار ما يشتهيه من الجذب والدفع بالإرادة، وسيجئ الكلام المبسوط في ذلك إن شاء الله.
وبالجملة فقوله: " فبهداهم اقتده " تأديب إلهي إجمالي له (صلى الله عليه وآله) بأدب التوحيد المنبسط على أعمال الأنبياء (عليهم السلام) المنزهة من الشرك.
ثم قال تعالى - بعد ما ذكر عدة من أنبيائه (عليهم السلام) - في سورة مريم: " أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا * فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون