آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم * ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " (1) يذكر تعالى أنبياءه الكرام (عليهم السلام) ذكرا جامعا، ثم يذكر أنه أكرمهم بالهداية الإلهية وهي الهداية إلى التوحيد فحسب، والدليل عليه قوله: " ولو أشركوا لحبط عنهم " فلم يذكر منافيا لما حباهم به من الهداية إلا الشرك، فلم يهدهم إلا إلى التوحيد.
غير أن التوحيد حكمه سار إلى أعمالهم متمكن فيها، والدليل عليه قوله:
" لحبط عنهم ما كانوا يعملون " فلولا أن الشرك جار في الأعمال متسرب فيها لم يستوجب حبطها، فالتوحيد المنافي له كذلك.
ومعنى سراية التوحيد في الأعمال كون صورها تمثل التوحيد، وتحاكيه محاكاة المرآة لمرئيها، بحيث لو فرض أن التوحيد تصور لكان هو تلك الأعمال بعينها، ولو أن تلك الأعمال تجردت اعتقادا محضا لكانت هي هو بعينه.
وهذا المعنى كثير المصداق في الصفات الروحية، فإنك ترى أعمال المتكبر يمثل ما في نفسه من صفة الكبر والخيلاء، وكذلك البائس المسكين يحاكي جميع حركاته وسكناته ما في سره من الذلة والاستكانة وهكذا.
ثم أدب تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) فأمره أن يقتدي بهداية من سبقه من الأنبياء (عليهم السلام) لا بهم، والاقتداء إنما يكون في العمل دون الاعتقاد، فإنه غير اختياري بحسب نفسه،