حقا، لا ينهض في هذا الموقف إلا من لا يبالي إلا بالحرص على الملك ومطاولة الناس مهما كانت النتائج على الدين والصالح العام، وأمير المؤمنين أحرص على الإسلام من أن يغرر به لأمر يقول عنه: " إنه ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها ". ولا يساوي عنده نعله التي لا تسوى درهما، إلا إذا كان يقيم حقا أو يدحض باطلا. ولذلك، ينصح الناس في كلامه الذي أشرنا إليه مع العباس وأبي سفيان، وهما يحثانه على قبول البيعة، فيقول: " شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة وعرجوا عن طريق المناظرة، وضعوا عن تيجان المفاخرة ".
وكأنه في كلامه هذا يحس منهما إذ دعواه لهذا الأمر الآنفة من الخضوع لأخي تيم، و (تيم) على حد تعبير أبي سفيان أقل حي في قريش، فهما ينظران إلى الأمر من ناحيته القبلية، والعصبية الجاهلية. أما فقهه هو فكما قال من كتاب له في جواب معاوية في خصوص هذا الأمر: " وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه "، وهو غير فقههما فإن العباس مشى إليه أبو بكر وجماعة ليلا، لما عرفوا موقفه، فأطمع في الخلافة له ولولده، بعد نقاش انتهى بالإعراض عن النزاع. وأما أبو سفيان فقد نقل ابن أبي الحديد (1: 30) وغيره أن عمر كلم أبا بكر فقال إن أبا سفيان قد قدم وإنا لا نأمن شره، فدفع له ما في يده فتركه، وكان أبو سفيان قد بعث قبل وفاة النبي على الصدقات.