الصبر على ما فيها من قذى وشجى فماذا تراه يتخذ من خطة في سياسته وسلوكه مع الخلفاء: أيستسلم فيسرع إلى بيعتهم كسائر الناس ويعمل لهم كما يعمل باق المسلمين أم يسلك بقدر ما تسمح به الضرورة وتقتضيه المصلحة للدين؟
قد أبى بعض المؤرخين من القدماء والمحدثين إلا أن يصور الإمام مسالما إلى أبعد حدود المسالمة، فيسرع إلى البيعة عن طيبة خاطر ورضى بمن نصب لها، ولكن البحث الصحيح يأبى علينا أن نسلم بهذا التسرع في النقل أو الحكم: فقد ثبت تأريخيا أن عليا لم يبايع أبا بكر إلا بعد موت فاطمة بضعة الرسول، وفي تقدير ابن الأثير في تاريخه والبخاري ومسلم في صحيحهما وغيرهم أنه ستة أشهر، وفي كل هذه المدة هو جليس بيته لم يشترك في جماعة ولا جمعة ولا أمر ولا نهي ولم يسمع له صوت في حروب الردة وغيرها.
وأكثر من ذلك كان يطرق أبواب الأنصار وأهل السوابق ليلا حاملا معه فاطمة والحسنين يدعوهم إلى نفسه ويذكرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا ما جعله معاوية من ذنوبه في كتابه السابق الذكر، ثم إنه كان يقرعهم بالحجة وينير لهم طريق المحجة ذلك قوله المتقدم: " فلما قرعته بالحجة ".
وهل يظن الظان أنه كان يحاول في هذا العمل أن يتحولوا في البيعة وأن يتركوا ما أبرموه وهو الذي أسدل دونها