النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٨٠
يا له من عهد خفيف على اللسان، ثقيل في الميزان، جعل لعلي من صلاحية الأداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله عين الصلاحية الثابتة للنبي في الأداء عن نفسه، وهذه رخصة له بتشريع ما استودعه إياه من أحكام شرعية لا تكون محل ابتلاء الناس إلا بعدة صلى الله عليه وآله (1) أشركه بها في أمره، وائتمنه على ما أوحي إليه من ربه، كما كان هارون من موسى إلا أن عليا ليس بنبي وإنما هو وزير ووصي، يطبع على غراره، ويتعبد بآثاره، ويؤدي عنه ما لا يؤديه عنه سواه مما استودعه إياه.
بهذا الشكل الحكيم بلغ النبي صلى الله عليه وآله أمر الولاية، وبهذه الطرق السائغة بثها في أمته. تدرج فيها بأحاديثه المختلفة، وأساليبه المتنوعة على حسب مقتضيات الأحوال في مقامات مختلفة ودواعي شتى.
لم يسد على المعارضين طرق التمويه، تمويه النصوص تضليلا عنها باسم التأويل، حذرا من أن يحرجهم بذلك فيخرجهم على الله تعالى ورسوله، لذلك جرى معهم على سنن الحكماء في استدراج المناوئ لهم، وتبليغه الأمر الذي يأباه بلباقة في حكمة كانت من معجزاته صلى الله عليه وآله.

(1) هذه هو المراد بالأداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله الثابت لعلي، المنفي عمن سواه وإلا فالفقهاء يؤدون عن رسول الله فروع الدين والأصوليون يؤدون عنه أصوله:
والمحدثون يؤدون سننه، وحملة الآثار يؤدون آثاره، لا حرج على أحد في ذلك إلا أن يكون مشرعا عن الله أو عن رسوله، ومن كذب على أحدهما فليتبوأ مقعده من النار (منه قدس).
(٥٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 575 576 577 578 579 580 581 584 585 586 587 ... » »»