النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٧
نفسه أنه موفق للصواب في إدراك المصالح، وكان صاحب إلهام من الله تعالى وقد أراد التخفيف عن النبي إشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض والوجع وقد رأى رضي الله عنه أن ترك إحضار الدواة والبياض أولى.
وربما خشي أن يكتب النبي عليه السلام أمورا يعجز عنها الناس فيستحقون العقوبة بسبب ذلك، لأنها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها.
ولعله خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب. لكونه في حال المرض فيصير سببا للفتنة، فقال: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى: ﴿ما فرطنا في الكتاب من شئ﴾ (214) وقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) (215) وكأنه رضي الله عنه أمن من ضلال الأمة، حيث أكمل الله لها الدين وأتم عليها النعمة.
قال رحمه الله: هذا جوابهم وهو كما ترى، لأن قوله عليه السلام: لا تضلوا يفيد أن الأمر أمر عزيمة وإيجاب، لأن السعي فيما يوجب الأمن من الضلال واجب مع القدرة بلا ارتياب، واستياؤه صلى الله عليه وآله منهم، وقوله لهم قوموا حين لم يمتثلوا أمره دليل آخر على أن الأمر إنما كان للايجاب لا للمشورة.
قال: [فإن قلت:] لو كان واجبا ما تركه النبي عليه السلام بمجرد مخالفتهم، كما أنه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين. فالجواب: أن هذا الكلام لو تم فإنما يفيد كون كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي بعد معارضتهم له عليه السلام، وهذا لا ينافي وجوب الاتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي به، وبين لهم أن فائدته الأمن من الضلال إذ الأصل في الأمر إنما هو الوجوب

(٢١٤) سورة الأنعام: ٣٨.
(215) سورة المائدة آية: 3.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»