النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٧
(قال) قال المرزباني كان شاعرا شريفا فارسا معدودا في فرسان بني يربوع في الجاهلية وأشرافهم وكان من - أرداف الملوك وكان النبي صلى الله عليه وآله - استعمله على صدقات قومه فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وآله أمسك عن الصدقة (1) وقال في ذلك:
فقلت خذوا أموالكم غير خائف - ولا ناظر فيما يجئ من الغد (2) - فإن قام بالدين المخوف قائم - أطعنا (183) وقلنا الدين دين محمد -

(1) قلت: أمسك عن أخذها من قومه بعد لحاقه صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى تورعا منه واحتياطا وكان ينتظر من يثبت لديه قيامه شرعا مقام رسول الله لينزل على حكمه في الصدقة وغيرها كما يدل عليه شعره الذي ستسمعه الآن فأمعن به وبما سنعلقه عليه (منه قدس).
(2) إنما فرقها في الفقراء والمساكين من قومه لأنه قبضها منهم وله الولاية عليها من رسول الله وكان صلى الله عليه وآله حينئذ حيا، وبذلك رأى أن له التصرف بها فوضعها مواضعها الشرعية. وكان معروفا بالعاطفة على اليتامى والأرامل والمساكين يدل على ذلك قول معاصره في رثائه وقد مر عليك آنفا في الأصل:
فمن لليتامى والأرامل بعده * ومن للرجال المعدمين الصعالك - أراد بهذا البيت أنه لم يقترف في أموالهم (حيث جمها منهم ولا حيث فرقها فيهم) خيانة يخشاها ولا إثما يخافه في غده إذا بعث (منه قدس).
(183) أورد الإمام العسقلاني هذا البيت بلفظ أطعنا ونقله بهذا اللفظ عن ابن سعد عن الواقدي كما تراه في ترجمة مالك بن نويرة من الإصابة طبع سنة 1328 وفي هامشها كتاب الإستيعاب لابن عبد البر وأورده بلفظ أطعنا علم الهدى الشريف المرتضى في كتابه (الشافي) مع أبيات أخر لمالك استدل بها على أنه حين بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وآله أمسك عن أخذ الصدقة من قومه قائلا لهم: تربصوا حتى يقوم قائم بعده صلى الله عليه وآله وننظر ما يكون من أمره قال: وصرح مالك بذلك في شعره حيث يقول:
وقال رجال سدد اليوم مالك * وقال رجال مالك لم يسدد - فقلت دعوني لا أبا لأبيكم * فلم أخط رأيا في المقام ولا الندى - وقلت خذوا أموالكم غير خائف * ولا ناظر فيما يجئ من الغد - فدونكموها إنما هي مالكم * مصورة أخلاقها لم تجدد - سأجعل نفسي دون ما تحذرونه * وأرهنكم حقا بما قلته يدي - فإن قام بالأمر المجدد قائم * أطعنا وقلنا الدين دين محمد - لكن الأستاذين هيكل في كتاب الصديق أبو بكر، والعقاد في عبقرية خالد أوردا البيت بلفظ (منعنا) وأظن أنهما رويا البيت عن بعض المتحاملين على مالك المتعصبين لخالد أو للصديق وعلى كلا الروايتين في البيت ما يوجب ردة ولا دونها، أما على فرض قوله أطعنا فواضح وأما على فرض منعنا (وما أظن له صحة) فلأن الدين دين محمد وقد ولاه صلى الله عليه وآله على صدقات قومه ولم يعزله، ولم تثبت له خلافة القائم مقامه لينزل على حكمه. فهو متريث باحث بكل مالديه من جهود عمن له الأمر بعد محمد شرعا لينزل على حكمه وقد طلب من خالد أن يرسله إلى أبي بكر ليبحث معه عن هذه المهمة فأبى إلا قتله (منه قدس).
راجع: الإصابة لابن حجر ج 3 / 336 ط مصطفى محمد، تلخيص الشافي للطوسي ج 3 / 192، معجم الشعراء للمرزباني ص 260.
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»