وأما الأدب فعليه مداره، وإليه إيراده وإصداره، ينشر منه ما هو أذكى من النشر في خلال النواسم، بل أحلى من الظلم يترقرق في ثنايا المباسم، وما الدر النظيم إلا ما انتظم من جواهر كلامه، ولا السحر العظيم إلا ما نفثت به سواحر أقلامه، و أقسم أني لم أسمع بعد شعر مهيار والرضي، أحسن من شعره المشرق الوضي، إن ذكرت الرقة فهو سوق رقيقها، أو الجزالة فهو سفح عقيقها، أو الانسجام فهو غيثه الصيب أو السهولة فهو نهجها الذي تنكبه أبو الطيب، وسأثبت منه ما يقوم ببينة هذه الدعوى، وتهوى إليه أفئدة أولى الألباب وتهوى، وإن صدف عن هذا المذهب ذاهب، فللناس فيما يعشقون مذاهب، وها أنا أعتذر إليه من الايجاز في الثناء عليه فما سطرته لمحة مما له أقفوه:
ويا عجبا مني أحاول وصفه * وقد فنيت فيه القراطيس والصحف وله على من الحقوق الواجب شكرها، ما يكل شبا يراعتي وبراعتي ذكرها وهو شيخي الذي أخذت عنه في بدء حالي، وأنضيت إلى موائد فرائده يعملات رحالي، واشتغلت عليه فاشتغل بي، وكان دأبه تأديب أدبي، ووهبني من فضله ما لا يضيع، وحنا على حنو الظئر على الرضيع، ففرش لي حجر علومه، وألقمني ثدي معلومه، حتى شحذ من طبعي مرهفا، وبرى من نبعي مثقفا، فما يسفح به قلمي إنما هو من فيض بحاره، وما ينفح به كلمي إنما هو من نسيم أسحاره.
ومن منائح مولانا مدايحه * لان من زنده قدحي وإيرائي هذا ولو جعلت أنبوبة القلم سادسة خمسي، وأفرغت في بياض الأرقام سواد نفسي، ورمت القيام له بأداء شكره، لاستهدفت لملام التقصير ونكره، فأنا أتوسل إلى رب الثواب والجزاء، أن يجعل نصيبه من رضوانه أوفى الأنصباء والاجزاء.
وأما خبر ظهوره من الشام وخروجه، وتنقله في البلاد تنقل القمر في بروجه فإنه هاجر إلى الديار العجمية بعد إبدار هلاله، وانسجام وسمى فضله وانهلاله، فأقام بها برهة من الدهر، محمود السيرة والسريرة في السر والجهر، عاكفا على بث العلم