وألهمها ذوي الأنفس الباصرة والأعين الناظرة، وجعلهم النجوم الزاهرة يهدى بهم في ظلمات مدلهمات الدنيا والآخرة، ففاز الفائزون بالاتباع بالنعيم المقيم وخسر هنالك المبطلون بالامتناع، فكان مسكنهم الجحيم، فبلغ الرسل أوامر الباعث مجدين، وبالغوا في النصح مجتهدين، وقربوا به الأبعدين وأبعدوا الأقربين، فلما توفاهم الله إليه أقام السفراء مقامهم للدلالة عليه، فجعل اتباعهم هو الطريق إليه.
ولما تفاوت الخلق في الاقتباس ولم يمكن للسفير المباشرة بلاغ هذا كل فرد من الناس، أمر الحق تعالى بحفظ الآثار والأحاديث الشرعية، والحالات والسير النبوية وأمر من علم أن ينقل إلى من لا يعلم، ومن فهم أن يفهم من لم يفهم، فقال تعالى:
" فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " وقال: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طايفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " وأكدته الأخبار المتواترة، والآثار المتظافرة، فمن ذلك قول الصادق عليه السلام " علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا " وقوله " انظروا إلى رجل منكم يعرف شيئا من قضايانا الخبر، ولا اشتباه في كونه مسيرة السلف الأخيار المشهود لهم بالنجاة من الأئمة الأطهار.
ولما توقف ذلك على الرواية لأنها النهج الموصل إلى الحق والدراية، والسبيل الذي يعرف ما جاءت به الرسل المكرمون، وما بلغته عنهم الأئمة المعصومون وذلك لما فيها من التسهيل على الطالبين، وإزاحة العلل عن المكلفين، ولا سبل إلى ذلك بدون نقل الثقات المرضيين، من السلف الماضيين، إلى الخلف من الأعقاب الباقين تعاطى طلاب التسفير حفظ الرواية، ليكون الأدنى متساوية في الدراية، وليعلم أن الله تعالى قد نظر إلى كل فرد من عباده بعين العناية، وقبل الشروع في المقصود نقدم مقدمة تشتمل على مسائل:
الأولى: اعلم أن من دان بدين النص والعصمة، أبطل الاجتهاد إلا في حال الضرورة، كغيبة الإمام عليه السلام أو بعده مع حضور الواقعة، ومع ذلك فليس هو طريقا مستقلا بل يرجع معه إلى السؤال حيث يمكن، وإن كان بعده، كما هو عادة الصحابة