ثم إن بلوهر رجع إلى منزله واختلف إلى يوذاسف أياما حتى عرف أنه فتح له الباب ودله على السبيل، ثم تحول من تلك البلاد إلى غيرها وبقي يوذاسف حزينا مغتما فمكث بذلك حتى بلغ وقت خروجه إلى النساك لينادي بالحق ويدعو إليه أرسل الله عز وجل ملكا من الملائكة فلما رأى منه خلوة ظهر له وقام بين يديه، ثم قال له: لك الخير والسلامة أنت إنسان بين البهائم الظالمين الفاسقين من الجهال أتيتك بالتحية من الحق وإله الخلق بعثني إليك لأبشرك وأذكر لك ما غاب عنك من أمور دنياك وآخرتك، فاقبل بشارتي ومشورتي ولا تغفل عن قولي، اخلع عنك الدنيا وانبذ عنك شهواتها وازهد في الملك الزائل، والسلطان الفاني الذي لا يدوم وعاقبته الندم والحسرة، واطلب الملك الذي لا يزول والفرح الذي لا ينقضي والراحة التي لا يتغير وكن صديقا مقسطا، فإنك تكون إمام الناس تدعوهم إلى الجنة.
فلما سمع يوذاسف كلامه خر بين يدي الله عز وجل ساجدا، وقال: إني لأمر الله تعالى مطيع وإلى وصيته منته، فمرني بأمرك فإني لك حامد ولمن بعثك إلي شاكر فإنه رحمني ورؤوف بي ولم يرفضني بين الأعداء فإني كنت بالذي أتيت له مهتما، قال الملك: إني أرجع إليك بعد أيام ثم أخرجك فتهيأ للخروج ولا تغفل عنه، فوطن يوذاسف نفسه على الخروج وجعل همته كله فيه ولم يطلع على ذلك أحدا حتى إذا جاء وقت خروجه أتى الملك في جوف الليل والناس نيام، فقال له: قم فاخرج ولا تؤخر ذلك، فقام ولم يفش سره إلى أحد من الناس غير وزيره فبينا هو يريد الركوب إذ أتاه رجل شاب جميل كان قد ملكهم بلاده فسجد له.
وقال أين تذهب: يا ابن الملك وقد أصابنا العسر أيها المصلح الحكيم الكامل:
وتتركنا وتترك ملكك وبلادك، أقم عندنا فإنا كنا منذ ولدت في رخاء وكرامة ولم تنزل بنا عاهة ولا مكروه، فسكته يوذاسف وقال له: امكث أنت في بلادك ودار أهل مملكتك فأما أنا فذاهب حيث بعثت وعامل ما أمرت به فإن أنت أعنتني