عليهم السلام يمشون بين يديه فأتبع آثارهم حتى رفعوه في جو السماء وأوتي من العلم والحكمة ما عرف به الأولى والوسطى والأخرى، والذي هو كائن، ثم أنزلوه إلى الأرض وقرنوا معه قرينا من الملائكة الأربعة فمكث في تلك البلاد حينا ثم إنه أتى أرض سولابط فلما بلغ والده قدومه خرج يسير هو والاشراف فأكرموه و قربوه، واجتمع إليه أهل بلده مع ذوي قرابته وحشمه وقعدوا بين يديه وسلموا عليه وكلمهم الكلام الكثير وفرش لهم الايناس وقال لهم: اسمعوا إلي بأسماعكم وفرغوا إلي قلوبكم لاستماع حكمة الله عز وجل التي هي نور الأنفس وتقروا بالعلم الذي هو الدليل على سبيل الرشاد، وأيقظوا عقولكم وافهموا الفصل الذي بين الحق والباطل، والضلال والهدى.
واعلموا أن هذا هو دين الحق الذي أنزله الله عز وجل على الأنبياء والرسل عليهم السلام، والقرون الأولى، فخصنا الله عز وجل به في هذا القرن برحمته بنا ورأفته ورحمته وتحننه علينا وفيه خلاص من نار جهنم إلا أنه لا ينال الانسان ملكوت السماوات ولا يدخلها أحد إلا بالايمان وعمل الخير، فاجتهدوا فيه لتدركوا به الراحة الدائمة والحياة التي لا تنقطع أبدا ومن آمن منكم بالدين فلا يكونن إيمانه طمعا في الحياة ورجاء ملك الأرض وطلب مواهب الدنيا، وليكن إيمانكم طمعا في ملكوت السماوات ورجاء الخلاص وطلب النجاة من الضلالة وبلوغ الراحة والفرج في الآخرة، فإن ملك الأرض وسلطانها زائل، ولذاتها منقطعة، فمن اغتر بها هلك وافتضح، لو قد وقف على ديان الدين الذي لا يدين إلا بالحق، فإن الموت مقرون مع أجسادكم وهو يتراصد أرواحكم أن يكبكبها مع الأجساد.
واعلموا أنه كما أن الطير لين يقدر على الحياة والنجاة من الأعداء من اليوم إلى غد هذه إلا بقوة من البصر والجناحين والرجلين، فكذلك الانسان لا يقدر على الحياة والنجاة إلا بالعمل والايمان وأعمال الخير الكاملة، فتفكر أيها الملك أنت والاشراف فيما تستمعون وافهموا واعتبروا، واعبروا البحر ما دامت السفينة، واقطعوا المسافة ما دام الدليل والظهر والزاد، واسلكوا سبيلكم ما دام المصباح،