بي، ولا انتفعت بالكلمات التي افتديت بها منك نفسي، ألم أعهد إليك ألا تأس على ما فاتك ولا تصدق مالا يكون، ولا تطلب مالا يدرك؟ أما أنت متفجع على ما فاتك وتلتمس مني رجعتي إليك وتطلب مالا تدرك وتصدق أن في حوصلتي درة كبيضة الإوزة، وجميعي أصغر من بيضها، وقد كنت عهدت إليك أن لا تصدق بما لا يكون.
وأن أمتكم صنعوا أصنامهم بأيديهم ثم زعموا أنها هي التي خلقتهم وخفظوها من أن تسرق مخافة عليها وزعموا أنها هي التي تحفظهم، وأنفقوا عليها من مكاسبهم وأموالهم، وزعموا أنها هي التي ترزقهم فطلبوا من ذلك مالا يدرك وصدقوا بما لا يكون فلزمهم منه ما لزم صاحب البستان، قال ابن الملك: صدقت أما الأصنام فإني لم أزل عارفا بأمرها، زاهدا فيها، آيسا من خيرها، فأخبرني بالذي تدعوني إليه والذي ارتضيته لنفسك ما هو؟ قال بلوهر: جماع الدين أمران أحدهما معرفة الله عز وجل والاخر العمل برضوانه، قال ابن الملك: وكيف معرفة الله عز وجل؟ قال الحكيم: أدعوك إلى أن تعلم أن الله واحد ليس له شريك، لم يزل فردا ربا، وما سواه مربوب، وأنه خالق وما سواه مخلوق، وأنه قديم وما سواه محدث، وأنه صانع وما سواه مصنوع، وأنه مدبر وما سواه مدبر، وأنه باق وما سواه فان، وأنه عزيز وما سواه ذليل، وأنه لا ينام ولا يغفل ولا يأكل ولا يشرب ولا يضعف ولا يغلب ولا يعجز، ولا يعجزه شئ، لم تمتنع منه السماوات والأرض والهواء والبر والبحر، وأنه كون الأشياء لا من شئ، وأنه لم يزل ولا يزال، ولا تحدث فيه الحوادث، ولا تغيره الأحوال، ولا تبدله الأزمان ولا يتغير من حال إلى حال، ولا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون من مكان أقرب منه إلى مكان، ولا يغيب عنه شئ، عالم لا يخفى عليه شئ، قدير لا يفوته شئ، وأن تعرفه بالرأفة والرحمة والعدل، وأن له ثوابا أعده لمن أطاعه، وعذابا أعده لمن عصاه، وأن تعمل لله برضاه، وتجتنب سخطه.