الثقات عند ذوي الألباب ما أدركته عقولهم، وبلغته تجاربهم، ونالته أبصارهم في الترك للأهواء والشهوات، وليس ذو العقل بجدير أن يرفض ما قوي على حفظه من العمل احتقارا له إذا لم يقدر على ما هو أكثر منه، وإنما هذا من أسلحة الشيطان الغامضة التي لا يبصرها إلا من تدبرها، ولا يسلم منها إلا من عصمه الله منها، ومن أسلحته سلاحان أحدهما إنكار العقل أن يوقع في قلب الانسان العاقل أنه لا عقل له ولا بصر ولا منفعة له في عقله وبصره، ويريد أن يصده عن محبة العلم وطلبه، ويزين له الاشتغال بغيره من ملاهي الدنيا، فإن أتبعه الانسان من هذا الوجه فهو ظفره، وإن عصاه وغلبه فرغ إلى السلاح الاخر وهو أن يجعل الانسان إذا عمل شيئا وأبصره عرض له بأشياء لا يبصرها ليغمزه ويضجره بما لا يعلم حتى يبغض إليه ما هو فيه بتضعيف عقله عنده، وبما يأتيه من الشبهة، ويقول: ألست ترى أنك لا تستكمل هذا الامر ولا تطيقه أبدا فبم تعني نفسك وتشقيها فيما لا طاقة لك به، فبهذا السلاح صرع كثيرا من الناس، فاحترس من أن تدع اكتساب علم ما تعلمه وأن تخدع عما اكتسبت منه، فإنك في دار قد استحوذ على أكثر أهلها الشيطان بألوان حيله ووجوه ضلالته، ومنهم من قد ضرب على سمعه وعقله وقلبه فتركه لا يعلم شيئا، ولا يسأل عن علم ما جهل منه كالبهيمة، وإن لعامتهم أديانا مختلفة فمنهم المجتهدون في الضلالة حتى أن بعضهم ليستحل دم بعض وأموالهم، ويموه ضلالتهم بأشياء من الحق ليلبس عليهم دينهم، ويزينه لضعيفهم، ويصدهم عن الدين القيم، فالشيطان وجنوده دائبون في إهلاك الناس، وتضليلهم لا يسأمون ولا يفترون ولا يحصى عددهم إلا الله، ولا يستطاع دفع مكائدهم إلا بعون من الله عز وجل والاعتصام بدينه، فنسأل الله توفيقا لطاعته ونصرا على عدونا، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال ابن الملك: صف لي الله سبحانه وتعالى حتى كأني أراه قال: إن الله تقدس ذكره لا يوصف بالرؤية، ولا يبلغ بالعقول كنه صفته، ولا تبلغ الألسن كنه مدحته، ولا يحيط العباد من علمه إلا بما علمهم منه على ألسنة أنبيائه عليهم السلام