وروي أن خالد بن الوليد لما نزل على الحيرة وتحصن منه أهلها أرسل إليهم:
ابعثوا إلي رجلا من عقلائكم وذوي أنسابكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن بقيلة فأقبل يمشي حتى دنا من خالد فقال (له): أنعم صباحا أيها الملك قال: قد أغنانا الله عن تحيتك هذه فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي قال: فمن أين خرجت؟ قال: من بطن أمي قال: فعلى م أنت؟ قال: على الأرض قال: ففيم أنت قال: في ثيابي، قال: أتعقل لا عقلت، قال إي والله وأقيد، قال: ابن كم أنت؟
قال ابن رجل واحد.
قال خالد: ما رأيت كاليوم قط إني أسأله عن الشئ وينحو في غيره قال:
ما أجبتك إلا عما سألت فسل عما بدا لك قال: أعرب أنتم أم نبيط؟ قال: عرب استنبطنا ونبيط استعربنا قال: (أ) فحرب أنتم أم سلم قال: بل سلم قال: فما هذه الحصون قال: بنيناها لسفيه نحذر منه حتى يجئ الحليم ينهاه، قال: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاث مائة سنة قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج وتضع مكتلها على رأسها لا تزود إلا رغيفا واحدا حتى تأتي الشام ثم قد أصبحت اليوم خرابا يبابا وذلك دأب الله في العباد والبلاد.
قال: ومعه سم ساعة يقلبه في كفه فقال له خالد: ما هذا في كفك؟ قال:
هذا السم قال: وما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومي وأهل بلدي حمدت الله تعالى وقبلته، وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ذلا وبلاء أشربه وأستريح من الحياة فإنما بقي من عمري اليسير قال خالد: هاته فأخذه (ثم) قال: بسم الله وبالله رب الأرض والسماء الذي لا يضر مع اسمه شئ ثم أكله فتجللته غشية ثم ضرب بذقنه في صدره طويلا ثم عرف وأفاق كأنما نشط من عقال.
فرجع ابن بقيلة إلى قومه فقال: قد جئتكم من عند شيطان أكل سم ساعة فلم يضره، صانعوا القوم وأخرجوهم عنكم فان هذا أمر مصنوع لهم، فصالحوهم على مائة ألف درهم، وأنشأ ابن بقيلة يقول: